samedi 21 novembre 2015

إصلاح التوجيه المدرسي ومساراته

إصلاح التوجيه المدرسي ، مدخل أساسي للإصلاح التربوي


يعتبر التوجيه بشكليه المدرسي والجامعي مرحلة مهمة في حياة التلميذ تتدرج به في سلم المعرفة والتحصيل عبر سحبه من المجال المعرفي العام إلى مجال التخصص الذي يتحدد أكثر ويتعمق من مرحلة لأخرى . كما يراعي التوجيه كذلك نضج التلميذ واكتماله الذهني ويأخذ بعين الإعتبار رغباته وميوله ويستحثه على رسم مسار واضح لحياته يجسد من خلاله أحلامه وطموحاته المستقبلية التي يدعوه إلى صياغتها في شكل مشاريع دراسية ومهنية وحياتية متكامله .
كل هذه الملاحظات تؤكد دون شك قيمة التوجيه المدرسي في حياة التلميذ ، وكذلك أهميته أيضا في المنظومة التربوية بما أنه يرعى جانبا هاما من مخرجاتها ويمثل فرعا لا يستهان به من فروعها . لذلك فإن أي طارئ يمس المنظومة ككل سيؤثر بالتأكيد على هذه المنظومة الفرعية ، وهو ما بدأنا نعيشه فعلا ونحس به بعد أن بدأ وهن المنظومة التربوية وترهلها يصل إلى التوجيه المدرسي ويفعل فعله في مدخلاته وفي مخرجاته على حد سواء .
وهذا يعني أن واقع التوجيه هو من صميم الواقع التربوي وكلاهما يشكوا النقائص ويحتاج إلى عملية إصلاحية شاملة ، عاجلة ومعمقة تنفذ إلى جميع أسسه ، بما يثبت أن إصلاح التوجيه هو جزء من إصلاح المنظومة التربوية وأن أي جهد لتطوير هذه الأخيرة والإرتقاء بها لا يستغني عن إعادة النظر في التوجيه المدرسي في كل جوانبه : أي في هيكلته وشروطه وتنظيمه .
1 – الهيكلة :
ينطلق التوجيه المدرسي في مستوى السنة الأولى ثانوي بتوزيع التلاميذ في نهايتها على المسالك الأربعة التالية : المسلك الأدبي ، المسلك العلمي ، مسلك تكنولوجيا الإعلامية ومسلك الإقتصاد والخدمات . وتؤخذ هذه السنة على أنها جذع مشترك يهيؤ للمراحل التي تليه . لكن هذه الغاية تبدو منقوصة التجسيم وهذا الدور يبدو غير منجز كليا ، مما يحد من فعاليتها ويؤثر على وجاهة هذا الإجراء ومشروعيته أيضا . إذ من المفروض أن يضمن هذا الجذع إطلاع التلاميذ ولو بشكل أولي موجز على مكونات جميع الإختصاصات التي سيختارون من بينها مستقبلا . لكن هذا لا يتم خاصة في اختصاص الإعلامية التي لا تدرس لتلاميذ السنوات الأولى وكذلك في اختصاص الإقتصاد والخدمات الذي يوجه له التلاميذ باعتماد نتائجهم في مادتي التاريخ والجغرافيا لأنهم لا يدرسون مواده المميزة الفعلية .       
وينتج عن ذلك في تكنولوجيا الإعلامية مثلا أن التلاميذ لا يقدرون على فهم هوية هذا المسلك إن كان إختصاصا علميا أو تقنيا ، ثم يفاجؤون بعد ذلك بتأسسه على التميز في مواد هي من صميم التخصص العلمي مثل الرياضيات والفيزياء والخوارزميات والبرمجيات .... الخ ، مما يولد لديهم النفور من هذا الإختصاص ويسعون بكل جهد للتخلص منه عبر المطالبة بإعادة التوجيه إلى شعبة العلوم التقنية خاصة . ومن هنا كان أحد أسباب ضعف النتائج في هذا الإختصاص بما رسخ انطباعا سلبيا عنه في أذهان التلاميذ انعكس على رغبتهم فيه وفي إقبالهم عليه الذي نزل دون 5 %  في بعض الجهات . وملاحظاتنا هذه تبدوا كافية لمراجعة النظر في مسألة الجذع المشترك بشكل جدي وذلك بتعديله والحرص على جعله يحقق أهدافه الفعلية .
     كما يتحتم حسب رأينا أيضا مراجعة التمييز المعمول به حاليا بين المسالك والشعب ، من السنة الثانية إلى السنة الثالثة ، فهذا التدرج انبنى على تصور خصوصي للتوجيه ظهر إثر الإصلاح التربوي لسنة 2002 وتقرر خلاله توزيع الإختصاصات إلى أربعة مسالك في نهاية السنة الأولى ويتفرع كل منها في نهاية السنة الثانية إلى شعبتين أو أكثر :
1.    مسلك الآداب ويتفرع إلى شعبتي اللغات والعلوم الإنسانية والإجتماعية .
2.    مسلك العلوم ويتفرع إلى شعب الرياضيات والعلوم التجريبية والعلوم التقنية .
3.    مسلك الإقتصاد والخدمات ويتفرع إلى شعبتي الإقتصاد والتصرف والتجارة والأعمال .
4.    مسلك تكنولوجيا الإعلامية ويتفرع إلى شعبتي الإعلامية الصناعية والإعلامية والملتيميديا .
وبالتناسق مع هذا التوزيع تكون السنة الأولى مرحلة للجذع المشترك الذي تحدثنا عنه سابقا ، وتخصص السنة الثانية إلى التوجيه الأولي إلى المسالك ، لتنتهي بالتخصص في الشعب على مدى السنتين الثالثة والرابعة التي تختتم بالباكالوريا والإرتقاء إلى التعليم العالي . غير أن هذه الهيكلة لقيت صعوبات كبيرة في التفعيل ولم ينفذ منها إلا الجزء الخاص بالمسلك العلمي ، بينما وقع التخلي عن بقية المراحل جميعا . ومع ذلك أبقي على فكرة التدرج وعلى التمييز بين المسالك والشعب دون مبرر.
وكبديل عن هذه الهيكلة نرى أفضلية العودة للعمل بالتوجيه التقني المطور أي الذي يواكب التطورات العلمية والتكنولوجية الحديثة ويستجيب لحاجيات سوق الشغل المتنامية من اليد العاملة الماهرة في عديد الإختصاصات المتوسطة التي باتت مفقودة اليوم في الكثير من المواقع رغم الحاجة المتنامية إليها . ولكن أيضا يمكن من إحرازباكالوريا مهنية تكون معبرا علميا للدراسة الجامعية وإحراز شهادة التقني السامي . ثم إن هذا التصور سيستجيب أكثر بالتأكيد لمؤهلات واهتمامات العدد الكبير من التلاميذ التي هي محدودة في التعليم العام الحالي ، لكنها متجهة بوضوح نحو التعليم التقني ، الذي يلتحق به التلميذ حاليا بعد أن يفشل في التعليم العام ويعجز عن النجاح والمواصلة فيه عوض أن يوجه إليه منذ البداية بكل رغبة وشغف .
وبناء على هذا التصور يمكن أن نقرر فرزا أوليا في مستوى السنة التاسعة إعدادي بين من يوجه ، حسب رغبته بالطبع وإيفائه بالشروط والمقاييس المطلوبة ، للتعليم التقني ويلتحق بإحدى المجالات التي ستوفر له فرصة التخصص فيما بعد في إحدى المهن المميزة كما سنعرض ذلك ، مع مراعاة الإختصاصات الموجودة حاليا في مؤسسات التعليم العالي أو في مراكز التكوين المهني والتي يمكن الحصول فيها على شهادة تقني سامي  .
يتعرف التلميذ على مجاله ويمر على جميع الإختصاصات المبرمجة فيه خلال السنة الأولى التي تأخذ شكل جذع مشترك ، ثم يختص في واحد منها يواصل فيه دراسته المرتكزة على التكوين التطبيقي في الورشات والميداني في التربصات داخل المؤسسات ، إلى جانب التكوين الأساسي في مختلف المواد العامة الضرورية ، يواصل فيه على مدى ثلاث سنوات كاملة إلى مستوى الباكالوريا ليكون مؤهلا بعد ذلك إما للمواصلة في التعليم العالي أو التوجه لسوق الشغل مباشرة .
أو أنه يوجه لمسلك التعليم العام الذي يكون الإقتصار فيه على الشعب الأربعة التالية : الآداب ، العلوم ، التقنية ، الإقتصاد والتصرف . يوجه التلميذ إلى أحدها بعد سنة تمهيدية مشتركة على أساس معدلات معلومة ومجاميع واضحة أساسها التميز في المواد الخصوصية أو المرجع والتنافس على الجدارة التي يجب أن تبرز في القدرة على الفوز بمكان ضمن الترتيب الجماعي والإنتماء إلى النسب الماءوية المحددة لكل إختصاص . وهذا يعني إدخال عديد التعديلات منها التخلي عن التمييز الإعتباطي بين شعبتي الرياضيات والعلوم التجريبية الذي يبدو لنا غير مبرر باعتبار وحدة المنشأ للإختصاصين الذي هو المجال العلمي الصرف ووحدة الآفاق الجامعية والمهنية التي يؤدي إليها الإختصاصان ، فقط باختلاف طفيف في النسب يمكن تعديله والتصرف فيه . كما نلاحظ في هذا المقترح تخل عن شعبة علوم الإعلامية الحالية ، فهي تبدو غير مقنعة كاختصاص على حده في هذه المرحلة . الإعلامية هي أداة ضرورية لا استغناء عنها في عصرنا الحاضر لأي كان مهما كان مجال اختصاصه ،لاكتساب المعرفة ولمواكبة التطورات التكنولوجية الجديدة ، لذلك يكون من الأجدى عندنا تدريسها كمادة متكاملة لجميع التلاميذ على حد السواء . وتبقى مسألة التخصص في الإعلامية من مشمولات التعليم العالي للتعمق في المسائل الخصوصية مثل البرمجيات وغيرها ... خاصة وأن التجربة أثبتت أن ما يتلقاه الطلبة الجامعيون في اختصاص الإعلامية لا يزيد كثيرا في سنته الأولى خاصة عما هو مبرمج في التعليم الثانوي  ، أي أن الطالب الجامعي في اختصاص الإعلامية يعيد دراسة التكوين الأساسي الذي تلقاه في الثانوي في جزء كبير منه ، وهو ما يبدو كافيا لتبرير إرجاء هذا التخصص برمته للتعليم العالي .
كما يتطلب تصورنا هذا إجراءات كثيرة أخرى ويستدعي تعديلات جذرية في عديد المسارات الحالية ، منها :
1 – في مستوى التمييز بين التوجيه للتعليم التقني والتعليم العام نهاية السنة التاسعة ، فذلك ينجز من طرف مجلس التوجيه النهائي على أساس التميز الدراسي : معدل سنوي 12 من 20 كمعدل فاصل بين التعليمين ، من 12 فما أكثر يوجه إلى التعليم العام ويواصل بأحدى شعبه ، ودون ذلك يوجه إلى التعليم التقني . كما أن العمر سيكون مقياسا محددا أيضا : فالتعليم العام لا يقبل من تجاوز 16 سنة من العمر أو من استمر لأكثر من سنتين في التعليم الأساسي بمرحلتيه الإبتدائية والإعدادية ، أي أن من نزل تحت طائلة هذا التحديد العمري يوجه آليا للتعليم التقني حتى لو تجاوز معدله 12 من 20 . كذلك من عبر عن رغبة تلقائية لديه حتى وإن كان معدله أرفع من ذلك . هذا من شأنه أن يرفع من مستوى التنافس بين التلاميذ من جهة ويثبت تركيزهم على دروسهم وعلى جميع إلتزاماتهم الدراسية من أخرى . كما أنه سيضمن للتعليم التقني نوعية تلاميذ من مستوى جيد ويقطع مع تقليد ترسخ طويلا عند الجميع ، وهو أنه لا يقبل على التعليم التقني إلا الفاشلون الذين ضاقت بهم سبل التعليم العام . أما من سيرسب في السنة التاسعة ويكون قد فقد حقه في الإسعاف العمري ، أي تجاوز 16 سنة من العمر ، فيوجه مباشرة إلى التعليم المهني بالمراكز المختصة ، لا فرق في ذلك بين تلميذ السنة الثامنة أو السنة التاسعة .
وفي خصوص التوزيع على مجالات التعليم التقني الذي يقوم به المجلس ، فيكون كذلك على أساس الجدارة بالنظر في المعدل السنوي والتميز في المواد المرجع التالية :
- المجال الصناعي : أفضلية في الرياضيات والفيزياء
- المجال الفلاحي : أفضلية في الرياضيات وعلوم الحياة والأرض .
- مجال الخدمات : أفضلية في اللغات وفي علوم الحياة والأرض .
- مجال البناء : يفضل عدم التشدد في التميز في جميع المواد العلمية وخاصة علوم الحياة والأرض والرياضيات ، ويكون الإكتفاء فقط بمستوى مقبول في الفيزياء واللغات .
وبهذا تتحدد الملامح العامة لهذا المسلك التقني كما يلخصه الجدول التالي : 

ع ر
المجال
التخصص المهني
المواد المرجع
1
المجال الصناعي والتكنولوجي
- الميكانيك بأنواعه – الآلية – الكهرباء آلية – الصيانة الصناعية – الإعلامية الصناعية – الصيانة الألكترونية .... الخ
- الرياضيات – الفيزياء
2
المجال الفلاحي
- الغابات والإنتاج الفلاحي – الصناعات الغذائية – المياه والتنقيب – الصيد البحري – الإنتاج الحيواني ... الخ
- الرياضيات – علوم الحياة والأرض
3
مجال الخدمات
- السياحة – الخدمات الصحية (مساعد ممرض ، تقني محضر مخبر ، تقني محضر صيدلي ، تقني صنع أسنان ) – الصناعات الجلدية والتقليدية – الموضة والتجميل- الخياطة والنسيج وصناعة الملابس – الرياضة – الموسيقى والفنون – الطباعة ... الخ
- اللغات – علوم الحياة والأرض
4
مجال البناء والصيانة
- الرسم والبناء والتسيير – النجارة بأنواعها – الشبكات الكهربائية – التبريد والتكييف – اللحام والتركيب – القيس والطبوغرافيا ... الخ
- اللغات – الفيزياء
  
وفي مستوى التعليم العام لابد كذلك من إحداث تعديلات جذرية في بعض الإختيارات المعمول بها اليوم حتى يتماشى مع هذه الهيكلة المقترحة من ذلك خاصة :
أ – ما ذكرناه من تغيير وضع الإعلامية كمادة معممة وليس مسلك إختصاص .
ب – مراجعة مضمون الجذع المشترك وفسح المجال فيه للتلميذ للتعرف على جميع المواد التي تكون محتوى كل الإختصاصات . وضبط المواد المميزة أو المواد المرجع لكل إختصاص بشكل علمي دقيق وخاصة مادتي الإقتصاد والتصرف المغيبتان من الجذع المشترك الحالي وكذلك ضبط مقاييس التوجيه بشكل يثمن المواهب والمؤهلات الحقيقية للتلميذ .
ج – توحيد المسلك العلمي وعدم الفصل بين شعبة الرياضيات وشعبة العلوم التجريبية .   
د – إعادة العمل بالنسب المائوية وبناء مقاييس ثابتة ومعلومة لتنظيم التنافس بين التلاميذ وإرساء الشفافية الكاملة في عملية التوجيه . ومع إقتناعنا بأن هذه النسب تحدد في إطار مخططات تنموية وطنية محكمة تستشرف المستقبل على أسس علمية دقيقة ، فإننا نقترح أن توزع هذه النسب كالآتي : العلوم 30 % ، التقنية  30 % ، الآداب 20 % ، الإقتصاد والتصرف 20 %وهي تبدوا لنا معقولة ومنطقية .   
ه – إبقاء الممرات والمعابر مفتوحة للإلتحاق بالتعليم التقني لمن عجز عن المواصلة في التعليم العام وبالتالي لإعادة التوجيه بشروط مدققة في اتجاه المجال الأقرب لشعبته وليس في اتجاه الإختصاص ، أي يعيد المسلك التقني من بدايته ضمانا لتكامل تكوينه ولسلامته .
أما في مستوى التعليم العام فمن الواجب أيضا بناء إعادة التوجيه على شروط علمية ملزمة ، مثل :
§       اجبارية المحاورة وأساسية رأي المستشار .
§       تقييم التوجيه الذي اقترحه المجلس للتلميذ إن كان متماشيا مع الإمكانيات الفعلية للتلميذ أو لا بالتثبت من أعداد ومعدلات التلميذ .
§       مراجعة ترتيب الإختصاص المتحصل عليه في بطاقة التوجيه .
وفي كل الحالات ، لابد من ضبط المقاييس بشكل علمي وعدم الإستجابة لرغبة التلميذ آليا بل في إطار تناسبها الإيجابي مع إمكانياته ومؤهلاته . وهذا يستدعي إيجاد شكل وآلية لاحتساب المجموع تكون شفافة وذات مصداقية يرتب على أساسها جميع التلاميذ ، مثلا :
- احتساب المعدل السنوي
+ أعداد المواد المميزة
+ رتبة الإختيار ( مثلا نقطة للإختيار الأول ، نقطتان للثاني ، ثلاث نقاط للثالث واسناد أربع نقاط للتلميذ إن أسند له اختياره الرابع ) مع إمكانية إلغاء هذا الإمتياز أو النزول به إلى النصف إذا اتضح أن الإختيار المتحصل عليه هو الذي يتماشى فعلا مع إمكانيات التلميذ .
 + المحاورة مع المستشار ومدى وجاهة المطالبة بإعادة التوجيه كما يقدرها المستشار ( من 1 إلى 5 نقاط كحد أقصى ) .
+ إقتراح المجلس المسند للتلميذ ( تنقيط عكسي : اقتراح ايجابي في صالح التلميذ ويتماشى وإمكانياته يسند له 0 ، اقتراح عادي ويمثل إمكانية ضمن إمكانيات أخرى يتحصل على نقطة ، اقتراح سلبي ولا يراعي امكانيات التلميذ الفعلية ومصلحته تسند له نقطتان .... الخ )
+ جدية المطلب ومصداقيته ( يحترم الآجال المضبوطة وممضى من طرف التلميذ ووليه ، تسند له نقطتان كعدد أقصى ) .
هذا الإقتراح يستدعي بالطبع ايجاد تطبيقة رقمية تنزل عليها جميع هذه الأعداد وتقوم بضبط مجموع كل تلميذ وترتيبه ضمن زملائه بالمعهد الذين قدموا نفس الطلب ، ويكون التنافس معهم على الفرص التي توفرها طاقة الإستيعاب بالمعهد التي يقرها مديره .







2 - الشروط المادية لهذه الهيكلة :
تستدعي هذه الهيكلة بالتأكيد مبادرات وإجراءات عميقة هي بمثابة الشروط الضرورية لتوفير فرص إنطلاقها وضمان تواصلها ونجاحها بأرفع النسب :
1.    تطوير المؤسسات التربوية ومراجعة تصنيفها وإعادة العمل بالمعاهد التقنية ، مثلا تطوير الإعداديات التقنية الحالية في اتجاه ذلك .
2.    تطوير مراكز التكوين المهني الحالية والإرتقاء بها وتأهيلها لاستقبال تلاميذ جزء كبير من الإختصاصات التقنية .
3.    إمكانية توزيع التكوين مبدئيا بين المعاهد التقنية في المواد العامة ومراكز التكوين المهني في الحصص التطبيقية داخل الورشات .
4.    إلغاء المعاهد والإعداديات النموذجية ، باعتبار انتفاء الحاجة إليها بعد الإرتقاء بمستوى التلاميذ بجميع معاهد التعليم العام التي لن تقبل تلاميذا معدلاتهم دون 12 من 20 . وكذلك فإن الإرتقاء بجودة التعليم لا يكون بفرض طرق إنتقائية صارمة تحرم البعض وتمنعهم من المواصلة في الوجهة التي يرغبون فيها ، بل جودة التعليم تكون بتوفير الفرص الضامنة لأن يتعلم كل تلميذ حسب مؤهلاته الفعلية ومواهبه وإمكانياته ويتقدم في مساره الدراسي بتميز . إن مبدأ المساواة في الحظوظ يتنافى مع فكرة المؤسسات النموذجية ويتعارض مع تخصيص تعليم نموذجي متميز لنخبة وتعليم من درجة ثانية للبقية ، وقد يكون أيضا تعليم من درجة ثالثة لمجموعة من غير المحظوظين إجتماعيا أو جغرافيا بالأرياف مثلا والقرى والمناطق الداخلية .
كما أن المبدأ ذاته يستدعي أن تكون جميع المؤسسات نموذجية بنوعية إطاراتها التربوية وبتسييرها الإداري وبفضاءاتها وتجهيزاتها الجيدة والمكتملة وبالأنشطة التكميلية والداعمة المنجزة بها وبالتأطير التربوي والنفسي المختص والمتميز الذي يحصل عليه تلاميذها ... أما إذا غاب كل ذلك أو بعضه ورأينا تلاميذ المعهد النموذجي يقصدون المعهد العادي لإنجاز حصصهم التطبيقية بمخابره ، فهذا يعني أن معهدهم مجرد إسم على غير مسمى . بل إن المؤسسات النموذجية الحالية ليس لها من المقاييس التي ذكرنا إلا التلاميذ بمعدلات تفوق 15 من 20 في أغلب الأحيان وليس كلها ، وسرعان ما ينهار الكثير منهم بسبب غياب الإحاطة ونقص التأطير وينزل إلى مستويات عادية جدا لا تتميز بشيء عن الدرجات المتوسطة بالمعاهد العمومية .      
5.    على مستوى التكوين والتنظيم :
أ – يكون من الضروري جدا الزيادة في عدد المستشارين بما يستجيب لحاجيات التأطير الفعلية بالمعاهد وبالإعداديات بما أن الإتصال بالتلاميذ في الحملات الإعلامية المعهودة سيكون من السنة التاسعة ، ومراجعة برنامج التكوين المعدة لهم بما يتماشى ومهامهم المطالبين بها وتمتيعهم جميعا بالتربصات الداخلية والخارجية الضامنة لاكتساب الخبرة وتعميق المعارف . وفي انتظار تخرج الدفعات اللازمة لذلك يمكن إعادة العمل بتجربة المنسقين السابقة في المندوبيات وبرمجة تكوين خصوصي لهم وتأطير متواتر يشرف عليه المستشارون الذين يوجدون معهم في المندوبيات .
ب – تكوين الأساتذة المكلفين بالتوجيه المدرسي والجامعي بالمعاهد وفق ما يتطلبه الدور الذي يقومون به : برمجة تربصات إلزامية مغلقة لهؤلاء في العطل أو ضمن المدرسة الصيفية لمدة معقولة ، في التوجيه المدرسي والجامعي والإرشاد والإصغاء والمرافقة والمحاورة ... الخ . وكذلك تثمين دور هؤلاء الأساتذة بتنفيل خصوصي للراغبين منهم في اجتياز مناظرة المستشارين وأخذ نشاطهم هذا بعين الإعتبار .
ج – إحكام تنظيم المجالس التمهيدية والنهائية للتوجيه وتكوين المشرفين عليها من مديرين ونظار وكذلك جميع الأساتذة المباشرين للأقسام المعنية بالتوجيه في كل مستوياتها الإعدادية والثانوية والجامعية وأيضا إلزام الجميع بالحضور الإيجابي والفعلي بالمجالس  .  
د – إقرار إلزامية تزكية المستشار لأعمال المجالس وإمضائه لها ، حتى وإن تعذر عليه حضورها . أما إذا واكب المجلس فتكون من صلاحياته إعلان انطلاقه أو تأجيله أو إلغاء نتائجه وتقرير إعادته حسب ما يلاحظه من جدية في إعداد المجلس وفي تسييره ومواكبته من طرف المعنيين .
ه – هيكلة إدارية كاملة للتوجيه المدرسي والجامعي وطنيا وجهويا وإيجاد مركز وطني أو وكالة تونسية للتوجيه المدرسي والجامعي والمهني تتوحد فيها مجهودات جميع الأطراف في مختلف المستويات باعتبارها تمثل مسارا متساندا ومتتالي الحلقات . ومن الضروري كذلك تخصيص فضاءات بالمعاهد للتوجيه تكون مجهزة بالوسائل الضرورية وبالأدوات والمراجع وبعث مكتبة خاصة بالتوجيه فيها . ويكون هذا الفضاء على ذمة التلاميذ باستمرار ، كما يستقبل جميع الفاعلين في التوجيه المدرسي والجامعي بالمعهد  .
3 - الخاتمة :
     ما قدمته هنا هو اجتهاد شخصي أردت به المساهمة في الحراك الحالي الذي أفرزه الإصلاح التربوي ، إقتناعا مني بأن هذا الإصلاح لن يكتمل دون مراجعة التوجيه المدرسي أيضا والنظر فيه من كل جانب . هذا المقترح بني كما هو بين على تقييم لفترات سابقة عرفتها المنظومة التربوية التونسية . لذلك هو يقدم مزيجا من عناصر الواقع الحالي للتوجيه المدرسي ولعناصر واختيارات قديمة أثبت تاريخ المنظومة التربوية وجاهتها وجدواها وفعاليتها في الإستجابة لحقائق الواقع المعيش ، على مستوى حاجيات المجتمع وعلى مستوى تنشيط سوق الشغل وعلى مستوى الإستجابة لمؤهلات وامكانيات التلاميذ . كما أن هذا المزج بين الحاضر والماضي هو تأكيد لقناعة راسخة لدينا مفادها أن بلادنا لا يمكن أن تنطلق من عدم في أي مجال كان بل هي تقف اليوم على رصيد هام من التقاليد التربوية ومن خبرة لا يستهان بها بعد مختلف التجارب التي عرفتها سابقا مع الإصلاحات التربوية الثلاث التي أنجزتها منذ الإستقلال إلى الآن وما أفرزه ذلك من دراية وتجارب لدى خبراء التربية وإطاراتها لا يستهان بها ولا يمكن شطبها كليا بأي مبرر كان .
 وفي كل الحالات يبقى تدقيق هذا المقترح وتفصيله وإدخال التعديلات الضرورية عليه من اجتهاد المختصين في إطار إستشارة مختصة عامة تفعل فيها الورشات التي تضبط داخلها كل الجوانب وتستحدث الآليات والمدعمات الضرورية له .
                       
محمد رحومة
مستشار عام في الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي
المندوبية الجهوية للتربية بقابس : 11 / 09 / 2015


4 commentaires:

  1. عمل جيد صديقي رحومة فقط ماذا عن عامل اللغة الذي يئثر على مردود التلاميذ من الاعدادي الى الثانوي(اللغة العربية في الاعدادي هي لغة العلوم بنما تكون الفرنسية في الثانوي) ثم العودة الى النسب مجددا وحينئذ كيف نفعل رغبة التلميذ ونجعله يختار بكل الحماس والدافعية للعمل.وختاما الفارق العمري المتحكم في البقاء بالتعليم العام او الالتحاق بالتعليم التقني الا يكون ذلك حاجزا امام التحاق التلاميذ النجباء بالتعليم التقني اذا رغبوا في ذلك ولماذا لا يعطى الراسبون وكبار السن امكانية الدراسة بشعب ذات طابع نظري كاللغات او العلوم الانسانية والاجتماعية..ان هذا المجهوديجب ان ينخرط في نظرة استشرافية لما يكون عليه الفصل على مستوى الكثافة ونسبة التاطير واختيار المواد الدراسية الضرورية وتفعيل التقييم التكويني والجزائي حتى تصبح التجربة ناجحة مع النهوض بمؤسساتنا التربوية في ما يخص التجهيزات والفضاءات الدراسية لتتحقق المردودية المطلوبة.

    RépondreSupprimer
    Réponses
    1. شكرا سي فرح لتفاعلك .... ما قدمته أنا في هذا المقال هو مجموعة من الإقتراحات التي أعرضها على الزملاء المستشارين لمناقشتها وابداء الرأي فيها وإثرائها حتى نكون من خلالها رؤية خاصة بنا يقدمها ويبلغها عنا من يمثلنا في لجان الحوار حول الإصلاح التربوي ..... والرأي موكول لجميع الزملاء المستشارين ...... تحياتي

      Supprimer
    2. Ce commentaire a été supprimé par l'auteur.

      Supprimer
    3. Ce commentaire a été supprimé par l'auteur.

      Supprimer