vendredi 29 juin 2012

التوجيه الجامعي التونسي من المساواة إلى الإمتياز


التوجيه الجامعي التونسي
بين هاجس المساواة و جدارة الإمتياز

      نقصد بالتوجيه الجامعي عملية التوزيع على الشعب والاختصاصات الجامعية التي يخضع لها التلاميذ الناجحون في الباكالوريا مباشرة اثر الإعلان عن نتائج الدورة الثانية من هذا الامتحان. وهو يختلف عن التوجيه المدرسي من حيث الجمهور والموعد والتوقيت ومن حيث الأهداف والآليات.
فالتوجيه المدرسي يعنى بتلاميذ أقسام ومستويات ما دون الباكالوريا أو ما دون الثانوية العامة كما يسميها آخرون أي تلاميذ الأولى والثانية ثانوي لتوزيعهم على الشعب الدراسية التي يوفرها النظام التربوي التونسي مع إبقائهم داخل نفس المؤسسات التعليمية الثانوية. ويتم ذلك حسب الهيكلة الجديدة للتعليم الثانوي على مراحل خلال مجلسين خاصين يحضرهما كل أساتذة هذه الأقسام ينعقد الأول في نهاية السنة الأولى ثانوي ويوزع التلاميذ على المسالك الأربعة المعروفة : الأدبي ، العلمي، التكنولوجي والاقتصادي .
وينعقد الثاني في نهاية السنة الثانية ثانوي ليوزع تلاميذ المسلك العلمي على شعب الرياضيات والعلوم التجريبية والعلوم التقنية ويثبت تلاميذ المسالك الأخرى أو يعيد توجيه من رغب منهم في ذلك .
أما التوجيه الجامعي فينجز على المستوى الوطني أي بالإدارة العامة للشؤون الطالبية وهو يرتقي بالطالب من المرحلة الثانوية إلى المرحلة الجامعية فيخرج به من نمط معين من الحياة التربوية المبني على المتابعة اللصيقة والمرافقة الدائمة والإحاطة والتوجيه وحتى العقاب والإلزام أحيانا وبطرق مختلفة باعتبارها مرحلة ينظر له فيها بشكل عام على أنه طفل مكفول أو مراهق ينوء بأتعابه الذهنية والنفسية ، ليرتقي إلى نمط مغاير كليا يترك مجالات فسيحة للطالب للتحرك بحرية وبتلقائية على اعتبار أن تكوينه ونضجه ونموه على كل المستويات النفسية والفيزيولوجية والذهنية قد شارفوا جميعا على الاكتمال وهو ما يحتم تمتيعه بقدر كبير من الحرية وتعويده شيئا فشيئا على تحمل المسؤولية والاندماج داخل كل الفضاءات على اختلاف أنواعها وداخل المجتمع بشكل عام. وهذا التوجيه الذي يسعى إلى إسناد اختصاص جامعي لكل طالب يعمق به معرفته وتخصصه ويكون مدخله في ما بعد إلى الحياة المهنية والى الاندماج الاجتماعي والانخراط في الحركة الإنتاجية وفي العمل التنموي بالبلاد, هذا التوجيه له مقاييسه وتنظيمه أو مراحله ومبادئه العامة.

1- مقاييس التوجيه الجامعي :
ككل عمل محكم, فإن التوجيه الجامعي ينبني على مجموعة من العناصر والمقاييس التي جاءت بها وثائقه ومناشيره الترتيبية. وأساسه بالتأكيد هو التكامل بين الميولات والاهتمامات من جهة والإمكانيات من أخرى. فمن المشروع جدا ومن الضروري أن تكون لكل إنسان طموحات ورغبات تعطيه المزيد من الدافعية وتمثل محركه الداخلي الذي يشحذ عزيمته ويجعله أكثر إصرارا على التقدم والتألق. غير أن ذلك يجب أن يتطابق مع الإمكانيات التي يتمتع بها الطالب والتي من شأنها أن تضمن تجسيد هذه الأحلام وهذه الطموحات على مستوى الواقع العيني المحسوس.
وهذا هام جدا وهو ما يجب أن يأخذه الطلبة والتلاميذ بعين الاعتبار لأن المسافة بين الحلم والواقع لا تختزل إلا بالإمكانيات, وهذه الأخيرة ذات تجليات عديدة متنوعة إذ منها ما هو ذهني يرتبط بطاقة الاستيعاب الفكرية وإمكانيات الحفظ والتذكر لدى الطالب وبالتالي قدرته على مزيد التوغل في الاختصاصات بنجاح وتوفيق ودون إشكاليات دراسية علمية. ومنها ما هو بدني فيزيولوجي يرتكز على القدرات الصحية باعتبار وأن الكثير من الاختصاصات تستدعي مثل ذلك سواء من حيث التكوين أو من حيث المستقبل المهني الذي قد يعتمد الحركة والتنقل أو التعامل مع بعض الوضعيات الخصوصية التي تتطلب جميعا طاقة كبيرة على التحمل.
ومنها كذلك ما هو اجتماعي يرتبط خاصة بالوضع المادي للأسرة وبوفرة مواردها المالية التي من شأنها أن تيسر إلى حد كبير مهمة الطالب وتضمن له أوفر فرص النجاح. والى جانب هذه المقاييس هنالك أيضا معطيات أخرى ترتبط بالمؤسسات الجامعية المرغوبة وما يتوفر لديها من إمكانيات التكوين والتأطير في كل اختصاص تقترحه على الطلبة وهو ما يسمى عادة بطاقة الاستيعاب والتي يقع التصريح بها سنويا بدليل التوجيه الجامعي.
ثم لا يجب أن ننسى كذلك مسألة الأعداد والمعدلات التي حصلها التلميذ في الباكالوريا والتي يحتسب على أساسها المجموع الذي من شأنه أن يعطيه ترتيبا عاما مع الطلبة الراغبين في نفس الاختصاص فيوفر له موقعه ضمن طاقة الاستيعاب أو يجعله خارجها. وهذا المجموع يحتسب على أساس معادلة تتكون من صيغة إجمالية تشمل الصيغة الأساسية الموحدة أي المعدل العام للباكالوريا ضارب 5 والصيغة الخصوصية لكل اختصاص في الباكالوريا حسب ماله من مواد مميزة. ويمكن إجمالها كما يلي في المعادلة المعروفة لدى المعنيين :
الصيغة الإجمالية: [(الصيغة الأساسية + الصيغة الخصوصية)]
أما الصيغة الخصوصية التي تعتمد معدلات المواد المميزة لكل شعبة فتحتسب كما يلي:
شعبة الرياضيات
 (مادة الرياضيات × 2) + (علوم طبيعية ×0.5) + (فيزياء× 1.5)+)فرنسية+انجليزية/2(
شعبة العلوم التجريبية
(مادة الرياضيات × 1) + (علوم طبيعية ×1.5) + (فيزياء × 1.5) +)فرنسية+انجليزية/2(
شعبة التقنية
(مادة الرياضيات ×1.5) + (الفيزياء ×1) + (التقنية × 1.5) +)فرنسية+انجليزية/2(
شعبة الآداب
(عربية  × 1.5) + (فلسفة×1.5)+ ) تاريخ وجغرافياx1) +)فرنسية+انجليزية/2(
شعبة الاقتصاد والتصرف
(اقتصاد ×1.5)+(تصرف ×1.5)+( رياضيات ×0.5) +(تاريخ وجغرافيا ×0.5) +)فرنسية+انجليزية/2(
علوم الإعلامية
) رياضيات x 1.5 (+)خوارزميات وبرمجةx1.5( +)فيزياءx0.5(+0.25)تكنولوجيا معلومات واتصال+ قواعد البيانات ( + )فرنسية+انجليزية/2(
رياضة
(ع ح أ x1 ) +0.5 (إختصاص رياضة نظرية + إختصاص رياضة تطبيقية)+(تربية بدنية x1 ) +(فيزياء 0.5 )+ 0,25 (فرنسية +انجليزية) + (فلسفة x1 )

والى جانب هذه المقاييس لا ننسى كذلك مكافأة التنفيل الجغرافي المتمثلة في " إسناد تنفيل ب7% من مجموع النقاط إلى كل مترشح يرغب في الحصول على شعبة موجودة في ولايته, وفي حال عدم وجودها, فإن التنفيل يسند إلى المترشح الذي يطلب شعبة في أقرب مؤسسة للتعليم العالي من مركز ولاية سكناه "[1]. وهو ما يعني أن تنفيل التقريب الجغرافي الذي يعتمد فيه المعهد الأصلي للمترشح أو مركز الامتحانات لتحديد مركز ولاية السكنى, لا يسند إلى طالبي الشعب الجامعية التي تدرس فقط في مؤسسة جامعية واحدة في كامل تراب الجمهورية أو في عدة مؤسسات متواجدة في نفس الجهة.
وبداية من سنة 2012 تقرر استثناء جميع طالبي شعب الطب وشعب المراحل التحضيرية للدراسات الهندسية بجميع الكليات والمدارس العليا من التعامل بهذا التنفيل نظرا لتأكد استفادة جهات دون أخرى منه مما عمق شعور أبناء الجهات الداخلية بعدم تكافؤ الفرص في الدخول إلى هذه الإختصاصات الطبية والهندسية . 

2- تنظيم التوجيه الجامعي :
بما أنه يستحيل عمليا وبالإمكانيات المتوفرة حاليا القيام بعملية توجيه كل الناجحين في الباكالوريا في وقت متزامن وبكيفية محكمة فإنه وقع اللجوء إلى طريقة أخرى عملية وأكثر يسرا تتمثل في تنظيم التوجيه الجامعي على مراحل, أي وفق روزنامة من ثلاثة دورات. وهو الإجراء الذي جاء به المنشور عــ19ــدد لسنة 1997 ووقع تعديله في ما بعد, مبررا ذلك بما عرفه عدد المتحصلين على شهادة الباكالوريا من تطور وارتفاع وبتقلص فاعلية الطريقة القديمة للتوجيه الجامعي التي كانت تعتمد الدورات المفتوحة للجميع وبشكل متواز بما " أن أكثر من 85% من طاقة الاستيعاب تسند خلال الدورة الأولى للتوجيه وبالتالي يصبح مجال الاختيار محدودا جدا أمام المترشحين إلى الدورات اللاحقة ". وبناء على ذلك وعلى اثر بعض التعديلات المتتالية استقر الرأي أخيرا ( 2013 ) على أن يقع توزيع كل الناجحين في الباكالوريا على مجموعتين وفق نسب ماءوية متساوية :
-       المجموعة الأولى المتكونة من 50% من المترشحين الأفضل ترتيبا
-   المجموعة الثانية متكونة من 50% الباقية من المترشحين وممن لم يتحصلواعلى   توجيه في الدورة الأولى .
-   ثم تضاف دورة ثالثة للتوجيه الجامعي وتكون لغير الموجهين في الدورة الثانية .
وينتهي بذلك إسناد اختصاصات جامعية إلى كل التلاميذ دون استثناء . أما من تراجع عن رأيه في الأثناء أو لم ترضه نتيجة توجيهه هذا فيمكنه التقدم بطلب إعادة التوجيه إلى الإدارة العامة للشؤون الطالبية التي تعود للنظر في وضعه من جديد.
والملاحظ أن التمييز بين هذه المجموعات يكون على أساس المجموع المتحصل عليه من طرف كل تلميذ حسب الصيغة الإجمالية التي ذكرنا سابقا, كما أن كل مجموعة كانت تختص سابقا بلون مميز قبل اعتماد الطريقة الألكترونية على الموقع الخاص بالتوجيه الجامعي www.orientation.tn ، والذي قلت معه قيمة التفرقة والتمييز حسب الألوان .
ولترشيد الاختيارات لدى التلاميذ وتوعيتهم بالأسس الصحيحة والموضوعية للموازنة بين الشعب والاختصاصات تنظم لصالحهم عديد الحملات والحصص والتظاهرات الإعلامية, منها ما ينجز داخل الأقسام خلال السنة الدراسية من طرف الأساتذة المكلفين بالتوجيه بالمعاهد والمستشارين في الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي ، ومنها ما ينظم في فضاءات جامعية أو ثانوية أو ثقافية عامة في شكل أيام إعلامية وأبواب مفتوحة ومحاضرات تشترك في إنجازها الجامعات ومؤسسات التعليم العالي وخلايا الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي بالمندوبيات الجهوية للتعليم وأحيانا بعض المؤسسات الاقتصادية والعامة. وتتكثف هذه التظاهرات خاصة بعد إعلان نتائج الباكالوريا ومباشرة قبل تحديد الاختيار بشكل نهائي. وتتواصل مرافقة التلميذ في عملية الاختيار هذه عبر مختلف الدورات من خلال الخدمات التي تقدمها مكاتب الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي التي تؤدي حصص مداومة طوال هذه الفترة, وكذلك من خلال ما توفره مواقع الواب المختصة وصفحات الفايسبوك من خدمات, إضافة إلى الوثائق التي توزعها المؤسسات الجامعية والحصص الإعلامية التي تبثها وسائل الإعلام المسموعة والمرئية خلال مدة التحضير للاختيار .

3 - مبادئ التوجيه الجامعي من المساواة إلى الامتياز
ما انفكت عملية التوجيه الجامعي تنمو وتتشعب من سنة لأخرى مما أكسبها المزيد من الأهمية وأضفى عليها قيمة كبرى, خاصة بعد تكاثر المؤسسات الجامعية ببلادنا لتبلغ أكثر من 192 مؤسسة تقريبا وبعد تضخم عدد الشعب المقترحة على التلاميذ, أي أكثر من 700 شعبة موزعة على قرابة 300 اختصاص حسب ما ورد بدليل التوجيه الجامعي . وهذا ما جعل  من التوجيه منظومة فرعية متكاملة داخل النظام التربوي, لها أدبياتها وتقنياتها ومبادؤها المكرسة للتوازن بين مبدئي المساواة والامتياز كما أصبح لها مختصون يدرسونها في الجماعات ويحصلون فيها الشهائد الجامعية العليا.
إن الدراسة الجامعية والتسجيل بإحدى الكليات أو المعاهد العليا لاختيار التخصص في شعبة من الشعب هي من الفرص الثمينة التي يوفرها النظام التربوي التونسي لكل التلاميذ الناجحين في الباكالوريا دون استثناء ، ومجرد الحصول على هذه الشهادة يخول لصاحبها التمتع بهذا الحق . وهو ما يجسد مبدأ المساواة الذي ينبني عليه هذا النظام والذي يؤسس إحدى نقاط تميزه عن عديد الأنظمة التربوية الأجنبية التي افتقدت هذه الصفة,  ولا تكفي فيها شهادة الباكالوريا وحدها للتمتع بهذا الحق . فبعضها يشترط على المترشحين للتعليم العالي , وإلى جانب هذه الشهادة ، الحصول على مجموع معين من النقاط ، كما هو الشأن في بعض أقطار المشرق العربي مثلا حيث يضطر بعض التلاميذ إلى اجتياز امتحان الباكالوريا أو الثانوية العامة كما يسمونها عديد المرات بحثا عن هذا المجموع , وبعضها الآخر يشترط تسجيلا أوليا منذ منتصف السنة الدراسية  Une préinscription  لحجز مكان له بإحدى مؤسسات التعليم العالي كما أن أحقية التسجيل ، في بعض الأنظمة الأخرى ، تعطى فقط في المؤسسات الجامعية المتوفرة بالجهة أو المدينة التي ينتمي إليها التلميذ الناجح دون غيرها. وهي جميعا أشكال انتقائية تهدف إما إلى الحد من عدد المسجلين في التعليم العالي, أو إلى التحكم في حركة التلاميذ وفي توزعهم الجغرافي على الجهات وعلى هذه المؤسسات.
أما في النظام التربوي التونسي فإن الدراسة الجامعية حق لكل حاصل على الباكالوريا كما ذكرنا وفي المؤسسات الجامعية التي يريد إذا ما توفر له المجموع المطلوب أو التي تستجيب إلى طموحاته وتوفر له إمكانية تحقيق مشروعه الدراسي والمهني . وحتى مسألة التنفيل الجغرافي التي بدأ العمل بها في التوجيه الجامعي في السنوات الأخيرة ، والتي تعني تمتيع الطالب بإضافة 7% من النقاط التي يتحصل عليها إلى مجموعه إذا ما اختار مؤسسة جامعية قريبة من محل سكناه ، فهي غير إلزامية ولا تهم كل المؤسسات ولا كل الاختصاصات كما هو واضح في دليل التوجيه الجامعي وهو إجراء يهدف إلى تخفيف الضغط على السكن الجامعي وعلى المؤسسات الجامعية الموجودة بالعاصمة التي يتكاثر عليها الطلب عادة وبشكل مكثف, وكذلك إلى إقرار حد أدنى من التوازن بين بعض المؤسسات الجامعية وكل ذلك يؤكد الحرص الكبير على تطبيق مبدأ المساواة بين كل الناجحين مهما اختلفت اختصاصاتهم وانتماءاتهم الجغرافية.
ولهذه المساواة صورة أخرى أيضا تتجسد في التوزيع الجغرافي للمؤسسات الجامعية وفي وجود كل الاختصاصات بها حتى تكون التغطية شاملة لكل جهات البلاد وتتدعم المساواة بينها وهو ما تؤكده الإحداثات الجديدة التي نشهدها كل سنة سواء في مستوى المؤسسات أو في مستوى الشعب.
لكن يبقى الامتياز هو المبدأ الموازي للمساواة وذلك دعما للتلاميذ النجباء والموهوبين وحرصا على متابعتهم عن قرب وتوفير المزيد من فرص التألق لهم وحتى لا نفقدهم في زخم العدد المتزايد من الطلبة داخل الكليات وكذلك استجابة لشروط بعض الاختصاصات التي لا بد من رعايتها بدعم القيمة النوعية للمقبلين عليها ولخريجيها.
وهذا يعني أن الامتياز يتحول في نظام التوجيه الجامعي إلى غاية والى هاجس وطني عام نصبو جميعا إلى دعمه والى الاستزادة منه, وليس فقط معيار فرز للمترشحين. ولنفرق أولا بين ضربين من التميز الذي يمكن أن يكون عاما أو جزئيا, أي في مجموع المواد أو في بعضها, إضافة إلى امتلاك بعض المواهب وتلبية مجموعة من الشروط. فالتميز العام مطلوب لدى التلاميذ المقبلين على المعهد التحضيري للدراسات العلمية والتقنية بالمرسى الذي أعد لطلبته تكوينا عاليا يؤهلهم لدخول مدرسة البوليتكنيك Polytechnique  بتونس أو اجتياز مناظرات الدخول إلى المدارس الهندسية والتجارية بفرنسا وهو ما يستدعي معرفة جيدة أيضا باللغات وبالمواد الأدبية والفكرية إضافة إلى عدم الاستمرار في السنة الرابعة.
وهذا الامتياز ضروري أيضا للمترشحين مباشرة للدراسة بالخارج ، في شكل بعثات رسمية بالجامعات الأوروبية ، وللمترشحين إلى المعاهد التحضيرية التونسية المؤدية إلى مختلف الاختصاصات الهندسية ، وللراغبين في الإلتحاق بإحدى كليات الطب التي يتطلب الدخول إليها مجموعا هاما من النقاط . غير أن بعض الاختصاصات الأخرى تتطلب تميزا جزئيا كشرط للقبول بها أو أنها تستدعي اجتياز اختبارات.               
كما أن بعض المؤسسات الجامعية تشترط بالإضافة إلى ذلك أن لا يكون المترشح معفيا من مادة التربية البدنية في السنة الرابعة أو قد تجاوز حدا عمريا معينا                                                                                                                     عند مؤسسات أخرى في حين أن البعض الآخر يلزم المترشح بإجراء فحص طبي يؤكد سلامته من الأمراض المعدية وقدرته البدنية على مزاولة مهنته ، مستقبلا ، بكل جهات الجمهورية. والواقع أن الفرصة مواتية هنا لننبه التلاميذ إلى ضرورة الإستفادة من كل المعلومات الواردة بدليل التوجيه الجامعي بما في ذلك الهوامش والملاحظات الإضافية ما يهملها التلميذ ولا يعنى بها . 
وفي إطار الحرص على مبدأ التميز أيضا فإن مجموعة أخرى من الاختصاصات تخضع المقبلين عليها إلى اختبارات خصوصية مختلفة . وتمسكا كذلك بهذا الإجراء فإن بعض الاختصاصات الأخرى تستدعي مزاولة مجموعة من المواد الاختيارية المميزة في المرحلة الثانوية عامة أو في السنة النهائية فقط. وكتعقيب على هذه الإفادات يمكن أن نسجل الملاحظات التالية  :
أ‌-      هنالك مرونة كبيرة في نظام التوجيه الجامعي تتجسد في انفتاح الشعب على بعضها وفي تعدد المسالك أمام المترشحين ، وكذلك في إقرار إجراء إعادة التوجيه للراغبين فيها من التلاميذ والطلبة ، وجميعها تمشيات نابعة من فهم عميق لنفسية التلاميذ ومن وعي بما يمكن أن يطرأ على مشاريعهم المدرسية والمهنية من تعديلات ومن تطوير وفقا لما يرد عليهم من معلومات جديدة وما يكتسبونه من نضج . كما أن هذا من شأنه أن يخفف من حدة تطبيق بعض الإجراءات التنظيمية في التوجيه المدرسي وذلك بتوفير فرصة العودة إلى الاختيار الذي يمكن أن يرغب فيه التلميذ ، ولا يتمكن من الفوز به بسبب نقص في مجموعه يضعه خارج النسبة المسموح بها.
ب - الملاحظة الموالية تتمثل في القيمة الكبيرة التي تحتلها المواد الاختيارية في عملية التوجيه الجامعي بما أنها تمثل المدخل إلى الكثير من الاختصاصات أو شرط الربط بين الشعب وانفتاحها على بعضها, وهو ما تعي به سلطة الإشراف ، على مستوى وزارة التربية وعمدت إلى الإعداد له مبكرا أي منذ السنة الثانية ثانوي عن طريق خلايا الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي وخصصت للغرض حملات إعلامية متكاملة ينجزها مستشارو التوجيه المدرسي مع كل أقسام هذا المستوى وفي كل المعاهد لإعلام التلاميذ بما لهذه المواد الاختيارية من قيمة ومن تأثير على مستقبلهم الدراسي والمهني.
ج - أما الملاحظة الثالثة والتي لا تقل أهمية عن غيرها, فتتمثل في أن التميز الجزئي الذي تحدثنا عنه لا يعني التضييق على التلاميذ أو الحد من مجالات الاختيار لديهم بل هو يهدف إلى توزيع جيد وشفاف والى توجيه ناجح لهم ينبني على مقاييس موضوعية و عملية ومعلومة من طرف الجميع.
فكل تلميذ متحصل على الباكالوريا سيجد بالتأكيد مكانه في التعليم العالي ، والمطلوب هو فقط أن يتأكد من مواهبه ومن إمكانياته الفعلية وتميزه الحقيقي حتى يرسم سبيل نجاحه بوضوح وحتى لا يتيه وراء الاختيارات اللاموضوعية التي نجدها عند بعض التلاميذ والتي تنبني عادة إما على التقليد أو على المنافسات غير المتكافئة مع الآخرين أو على التأثر بالمعلومات الذاتية والانطباعات الخاصة لبعض الطلبة أو على التأثر بمهنة من المهن تعتبر رفيعة أو أيضا مرضاة لأحد الأولياء ونزولا عند رغبته.
        والأكيد أن لكل إنسان سوي موهبة أو مواهب وقدرات معينة والمطلوب هو اكتشافها والتفطن لها حتى يكون الرسم المستقبلي صحيحا و ناجحا ويكون التميز والنجاح مضمونين وفي ذلك تكمن إحدى رهانات الإعلام الموفق والتوجيه المدرسي والجامعي الناجح ألا وهو مساعدة التلميذ على معرفة ذاته وكشف مواطن القوة لديه ومجالات تميزه ثم مطابقة ذلك مع شروط الاختصاصات الدراسية والمهنية حتى تتوفر له حظوظ النجاح, وبالتالي مرافقة التلميذ ومساعدته على إنضاج اختياراته .
وختاما نشير إلى ما عرفته عملية التوجيه الجامعي من تطوير وتحسن كبيرين في السنوات الأخيرة من خلال إعتماد الإعلامية وتوظيفها في إنجاز عملية التوجيه عن بعد وكذلك جملة الخدمات الأخرى المرتبطة بها مثل التسجيل الجامعي وإصلاح الأخطاء والخدمات الجامعية إضافة إلى تنزيل كل المعلومات والأدلة المطلوبة على المواقع المختصة وعلى مواقع المؤسسات الجامعية ووزارة التعليم العالي ...
ومع ذلك فإن مزيد تحسين التوجيه الجامعي وتحسينه وتجويد خدماته مازال ممكنا خاصة من خلال مزيد الربط بين التخصصات الجامعية وحاجيات سوق الشغل من جهة ، ثم من خلال الملائمة أكثر بين هذه التخصصات والمستجدات العلمية التي لا تفتأ تنمو وتتفرع باضطراد .






محمد رحومة

مستشار عام في الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي – قابس




[1] - عن دليل التوجيه الجامعي لسنة 2009- ص 9 نشر الإدارة العامة للشؤون الطالبية





Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire