تجري سنويا بكل المعاهد الثانوية حملات وطنية للتوجيه المدرسي ،
تتواصل على مدى الأسابيع والأشهر . ولقد دأبت وزارة التربية منذ إقرار الإصلاح
التربوي الثاني سنة 1991 على تسيير مثل هذه الحملات حرصا منها على إنجاح عملية التوجيه
المدرسي وتفعيلها وعلى ضمان أوفر ممهدات النجاح لها .
فمن المعلوم أن التوجيه المدرسي الذي يخضع له تلاميذ السنوات
الأولى والثانية ثانوي في نهاية السنة الدراسية ، يرتقي بهم من التكوين العام
المشترك إلى مجال الاختصاص المحدد الذي من شأنه أن يرسم للتلميذ الوجهة الملائمة
لإمكانياته ومؤهلاته الفكرية والجسدية . ويدفع بمساره الدراسي في اتجاه مزيد الضبط
والتحديد من خلال إقرار مسلك دراسي له في نهاية السنة الأولى ثانوي يحول في نهاية
السنة الثانية إلى شعبة دراسية معينة له من بين تلك التي يوفرها النظام التربوي
التونسي ، فيكون مستقبله بالتالي إما في الآداب أو في الرياضيات أو في العلوم
التجريبية أو في العلوم التقنية أو في الإقتصاد والتصرف أو في علوم الإعلامية .
ومن هذا المنطلق يمكن أن نؤكد أن التوجيه المدرسي هو عملية
إرشادية نرافق خلالها التلميذ على مدى السنة لنقدم له النصح والإرشاد ونوفر له
المعلومة ونساعده على حسن الإختيار وعلى اتخاذ القرار السليم . ولما كانت المهمة
كذلك فهي تبدو على قدر كبير من الخطورة والحساسية إذ أن تأثيراتها حاسمة على
مستقبل التلميذ المدرسي والجامعي والمهني .
فمعلوم أن الإختصاص الذي سيوجه له التلميذ وسيزاوله في السنتين
الثالثة والرابعة يتعمق في ما بعد ويتحدد أكثر في التوجيه الجامعي الذي يلي الحصول
على الباكالوريا مباشرة . ومن خلال هذا التوجيه الجامعي يمر الطالب إلى الحياة
المهنية في ما بعد ، ومن ثمة الحياة الإجتماعية بشكل عام . وهو ما يوضح قيمة التوجيه
المدرسي وحساسيته باعتباره حجر الأساس في المشروع المستقبلي للتلميذ دراسيا مان أو
مهنيا أو إجتماعيا ، كما ذكرنا .
ويتولى الإشراف على هذه الحملات مستشارو الإعلام والتوجيه
المدرسي والجامعي . وهم نخبة من الأساتذة المختصين الذين وقع انتقاؤهم عبر المناظرات
الكتابية والشفوية ووقع تكوينهم في الداخل والخارج على مدى سنتين ، تحصلوا على
إثرها على شهادة المرحلة الثالثة المتمثلة في ديبلوم الدراسات الجامعية المختصة (DESS) أو
الماجستير المهني حسب التسمية الجديدة ، في مجال الإعلام والإرشاد والتوجيه
المدرسي والجامعي ، ويساعدهم في هذا النشاط بالمعاهد عديد الأساتذة من ذوي الخبرة
والتواصل الجيد مع التلاميذ .
وكما تتجه هذه الحملات إلى التلاميذ لتحقيق الأهداف والغايات
التي ذكرنا ، فهي تتجه كذلك إلى الأولياء في اجتماعات خاصة بهم يحرص المشرفون على
عقدها خارج أوقات العمل العادية أي مساء الجمعة أو مساء السبت لتيسير حضورها على
الأولياء وضمان مواكبتهم لها . ويقع إرشادهم خلالها إلى حقيقة دورهم في إنجاح
عملية توجيه أبنائهم دون ضغط أو تسلط على رغباتهم واختياراتهم ، وإلى نوعية
المساعدة التي بإمكانهم تقديمها لهم من خلال توعيتهم بحقيقة إمكانياتهم ومواهبهم
حتى يتعرفوا أكثر على شخصياتهم ولا ينجروا وراء رغبات وطموحات فضفاضة وغير واقعية
قد يعسر أو يستحيل عليهم تحقيقها بسبب معيقات ذاتية أو عائلية يجب تنبيههم إليها
مبكرا .
وخلال الإتصال بالتلاميذ الذي يتم عادة في شكل مجموعات صغيرة لا
تزيد عن القسم الواحد ، يقع توزيع وشرح دليل التوجيه المدرسي الذي تطبعه سنويا
وزارة التربية بالإضافة إلى بطاقة الإختيارات ، وبيان كيفية الإستفادة منه ومن
المعلومات الموجودة به ، مثل ما تعلق بآفاق الشعب وبشروط الإنتماء إليها ، وكذلك
كيفية تعمير البطاقة ، بما أن ذلك يتطلب من كل تلميذ عدم الإقتصار على اختيار وحيد
، بل تقديم مجموعة من الإختيارات للمجلس من خلال ترتيب الشعب الدراسية المقترحة
عليه ترتيبا تفاضليا يأخذ بعين الإعتبار رغبة التلميذ وامكانياته من جانب ، وكذلك
إمكانية تلبية هذه الرغبة الخاضعة أحيانا لطاقة الإستيعاب وللتنافس الذي يفرضه
إقبال التلاميذ على هذه الإختصاصات .
ومعنى ذلك أنه لا فائدة لتلميذ من التشبث برغبة لا تتماشى
وإمكانياته أو ليست له حظوظ كبيرة في التحصل عليها ، لأن مجلس التوجيه المكون
أساسا من أساتذة قسمه سوف يعمل على تعديلها وتصحيحها كلما تبين له أنها غير
موضوعية ولا تضمن للتلميذ مواصلة موفقة في دراسته الثانوية والجامعية مستقبلا.
وأجملت هذه الوثائق أسس عملية التوجيه المدرسي في نتائج التلميذ
، مؤهلاته الفكرية والجسدية ، إهتماماته وميوله ، ثم رأي وليه ومقاييس التوجيه في
كل شعبة . وجرت العادة بإعلام التلاميذ بهذه المقاييس وتفسيرها لهم منذ الحملة
الإعلامية الأولى في بداية السنة الدراسية والتي تبرمج خلالها أيضا اجتماعات
بأساتذة هذه المستويات إضافة إلى بقية الفقرات الأخرى .
بقي أن نشير في الأخير إلى أن عملية التوجيه المدرسي تجري في
دورتين ، تسمى الأولى التوجيه الأولي أو التمهيدي أو المبدئي ، إذ تعقد المجالس
عادة في النصف الأول من شهر ماي للنظر في رغبات كل التلاميذ دون استثناء ومقارنتها
بإمكانياتهم وبما حصلوه من أعداد ومعدلات خلال الثلاثيين الأول والثاني ، وتنبيه
من ظهرت لديه اختيارات غير موضوعية أو بان لديه تناقض بين الرغبة والإمكانيات حتى
يحرص على تعديلها في ما تبقى من السنة الدراسية أو تدارك نقصه في تلبية شروطها .
أما التوجيه النهائي فهو الذي يجري في الدورة الثانية عند
انعقاد مجلس التوجيه بكل معهد بعد الإنتهاء من مجالس الأقسام الأخيرة ، أي في
الأسبوع الأخير من شهر جوان ، وبعد أن تكون نتائج التلميذ وأعداده قد اكتملت في
الثلاثي الأخير . ويمكن التلميذ في كلتى الدورتين من الإعتراض على قرار توجيهه ومن
مزيد مناقشته مع المسؤولين ليمتع بإعادة توجيه إذا ما تأكدت وجاهة إعتراضه .
كما تنشط طوال السنة
خلايا الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي التي وقع تركيزها في السنوات الأخيرة
بمختلف الإدارات الجهوية للتربية بما تشهده من مقابلات فردية مع التلاميذ ومع
أوليائهم لمساعدتهم على حسم قرارتهم وعلى التغلب على حيرة الإختيار النهائي . إن
مختلف هذه الأطر ، وهذه الأنشطة والمجهودات التي أشرنا إلى البعض منها في هذا
العرض السريع تعكس عمق الأهمية التي نعطيها جميعا للتوجيه المدرسي .
كما أن متابعة التلميذ ومرافقته على مدى السنة مثلما ذكرنا تعكس
بجلاء جانبا من الرعاية النفسية والتربوية التي يحظى بها تلاميذ هذا المستوى
الحساس باختياراته المصيرية وبمستواه العمري الحرج . أما بقية المستويات فلها هي
الأخرى حظوتها وأطر رعايتها ومناسبات الإلتقاء بها من طرف المسؤولين والمختصين .
محمد
رحومة
مستشار عام في الإعلام والتوجيه المدرسي
والجامعي
الإدارة الجهوية للتربية بقابس
مقال منشور بجريدة الصحافة يوم 27 ماي 2000
ص2 (بتصرف)
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire