jeudi 27 décembre 2012

ظاهرة إعادة التوجيه في السنوات السادسة : أسبابها ، تجلياتها وانعكاساتها

جامعة تونس الأولى
المعهد الأعلى للتربية والتكوين المستمر







رسالة ختم الدراسات العليا المتخصصة ( الماجستير )
في الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي



ظـــاهــرة إعــادة التــوجـيـه
في السنوات السادسة
( أسبابها ، تجلياتها وانعكاساتها )



   إعداد :                                        تحت إشراف الأستاذ :
محمد رحومة                              محمد المنصف الحاجي





                                             السنة الدراسية : 1995 /1996

vendredi 23 novembre 2012

قول في التوجيه الجامعي



قول في التوجيه الجامعي

        لقد عودتنا جريدة الصباح ، على مر السنين وبتتالي أعدادها ، بالمقالات الجيدة والمتميزة بالعمق والرصانة والكثير من الإضافة والاجتهاد . ومقال الأخ ع . ز  الوارد بالصفحة الثانية من عدد يوم الثلاثاء 17جوان 2008 " عن التوجيه الجامعي لحاملي باكالوريا هذه السنة " وإن كان متصفا بالعديد من هذه الصفات ، فإن جانبا كبيرا مما ورد به يستدعي التوضيح والمراجعة .
        فصحيح " أن جملة التطورات التي شهدها التعليم في تونس خلال السنوات الأخيرة ، قد أفرز مظاهر أخرى تتعلق بما بعد النجاح ، وتتصل بالتوجيه الجامعي واختيار الشعب وغيرها من الجوانب المتصلة بهذا البعد ... " كما ورد بالمقال المذكور . وصحيح أيضا أن " الإصلاحات التربوية والهيكلية التي عرفتها الجامعة التونسية ، وخاصة سرعتها وتواترها كان صعب القبول من طرف المجتمع الذي مازال ينظر إلى التعليم والحياة الجامعية والشعب التعليمية العالية باحتراز كبير ، ويتشبث بمسارها القديم المألوف منذ عشرات السنين " .
أما القول بأن " عقبة التوجيه تبقى أكبر اليوم بالنسبة للناجحين ، والخوف من خيبتها أشد وقعا على القلوب " فإن فيه الكثير من التهويل والمبالغة ، التي نخشى أن تترسخ في أذهان أبنائنا التلاميذ ، خاصة عندما توردها جريدة مثل " الصباح " لما تتميز به من المواصفات التي ذكرنا .
      فالتوجيه الجامعي ليس امتحانا حتى نتحدث عنه بمنطق العقبة والخيبة ، بل هو مرحلة في الحياة المدرسية لا يبلغها إلا الناجحون والذين تمكنوا من اجتياز العقبة الحقيقية ، أي الباكالوريا . وهو في جوهره عملية تنظيمية عادية تستدعيها المراحل اللاحقة من المسار الدراسي الذي يتواصل في الجامعة . ولا يتطلب مواصفات خارقة للعادة ، بل الموضوعية والتركيز وفهم الذات والقبول بها ، أي بكل ما لها من مؤهلات وإمكانيات وملكات نجاح في هذا الإختصاص أو ذاك .
      التوجيه الجامعي هو توزيع للتلاميذ الناجحين في الباكالوريا على مختلف شعب واختصاصات التعليم العالي وفق مجموعة من المعايير والشروط الواضحة للجميع . وهو عملية تلجأ إليها كل الأنظمة التربوية الحريصة على الشفافية والعدل بين أبنائها والمحترمة لهم . أما أن يكون هذا الإجراء معقدا أو بسيطا فذلك يرجع حسب رأينا إلى وفرة عدد التلاميذ الناجحين والراغبين في الإلتحاق بالتعليم العالي وإلى كثرة المؤسسات الجامعية بالبلاد والتنوع الكبير في الإختصاصات التي تقترحها على المترشحين . وكل هذه العناصر متوفرة ببلادنا  ، والحمد لله ، ومع ما لها من إيجابية فهي تفرز أحيانا بعض الصعوبات .
      وكذلك القول بأن " النجاح لا يعني الكثير ما دام لا يحصل بامتياز " لا نقبل به أيضا . لأن النجاح دائما جيد ومطلوب من طرف الجميع ، تلاميذ وأولياء ومؤسسات تربوية . هو جيد لدعم المعنويات ، وغرس الثقة بالنفس والرضا عن الذات والإقتناع بالقدرة على تحدي الصعاب والمضي قدما . أما الإمتياز فهو مشترط في بعض الشعب التي تستدعي مؤهلات ذهنية كبرى ولا توفر عددا كافيا من المقاعد حتى تستجيب لكل الطلبات التي بدأت تتكاثر في السنوات الأخيرة ، نتيجة ما شهدته المنظومة التربوية من تحسن كبير انعكس ايجابيا على ارتفاع عدد المتميزين من التلاميذ بما زاد من حدة المنافسة بينهم .
وهذه الشعب هي بالأساس من الإختصاصات الطبية والهندسية التي تستدعي مجموعا مرتفعا ، سواء منها التي تدرس بتونس أو بالخارج عبر البعثات الدراسية التي ترسلها وزارة التعليم العالي سنويا في إطار تعاونها مع المؤسسات العلمية المشهورة لبعض البلدان .
 أما بقية الاختصاصات فهي مفتوحة للجميع والالتحاق بها ميسر لكن على أساس التناظر بالطبع ، وفق الشروط والمقاييس التي يعلمها كل التلاميذ منذ بداية السنة الدراسية عبر الأساتذة المكلفين بالتوجيه الموجودين بكل المعاهد وعبر تدخلات مستشاري التوجيه المدرسي والجامعي العائدين بالنظر إلى الإدارات الجهوية للتربية والتكوين . ويقع تذكير التلاميذ بكل المعطيات في نهاية السنة خلال مواعيد رسمية كثيرة وفي أدلة ضافية يتسلمون بعضها حتى قبل إجتيازهم إمتحان الباكالوريا ذاته .
لذلك لا يمكن أن نقول أن " نتائج التوجيه قل أن تكون حسب رغبة التلميذ وميولاته الدراسية " بل هي لا تكون إلا كذلك ، أي وفق رغبته وميولاته ، ووزارة التعليم العالي لا تسند إختصاصا لأي تلميذ ما لم يرغب به وما لم يسجله على بطاقة إختياراته . وهذا نقوله لطمأنة أبنائنا التلاميذ وبشكل قطعي . أما أن يحصل المترشح على اختياره الأول أو الثاني أو الأخير ، فذلك يكون بالتأكيد حسب الجدارة ووفقا لمدى إثباتها خلال عملية التنافس والتناظر مع الآخرين . وما على التلميذ إلا أن يحسن الإختيار وفق ما له من إمكانيات للمنافسة الناجحة يتفطن لها من خلال التمعن في أعداده ومعدلاته ومجموع نقاطه وفي طاقة الإستيعاب المتوفرة أو المتبقية بالمؤسسة التي يرغب في الإلتحاق بها ، ثم عليه أن يحسن ترتيب هذه الرغبات أيضا .
أما القول بأن شعب التعليم العالي يفوق عددها 700 شعبة وأن التلميذ لا يقدر على استيعابها في الإختيار عند التوجيه ، فأنا أوضح أن كل تلميذ مطالب بمعرفة واستيعاب الشعب المفتوحة لاختصاصه بالأساس والتي تعنيه هو مباشرة ولا داعي بأن يضيع الوقت في تقليب البقية ، وعندها ستصبح العملية يسيرة جدا لأن السبع مائة شعبة تهم كل الإختصاصات في الآداب والرياضيات والعلوم التجريبية والعلوم التقنية والإقتصاد والتصرف وعلوم الإعلامية ، وما حاجة تلميذ الآداب لأن يبحث في الإختصاصات التقنية مثلا وهي غير مفتوحة له ؟
وعكس ما ذهب إليه صاحب المقال من أن " الوسط الإجتماعي وحتى التربوي لا يقدر أيضا على مساعدته في هذا الجانب " ، فأنا أقول أن هذين الوسطين يوفران للتلميذ كل ما يحتاجه للوصول إلى تحديد إختيار موفق . وما عليه إلا أن ينتبه لوسائل الإعلام المسموعة والمكتوبة والمرئية ويواكب ما تقدمه من حصص ومن برامج ومواضيع مخصصة للتوجيه الجامعي وللحياة الجامعية دون استثناء ، وهذه الأنشطة عادة ما تنطلق مع إعلان نتائج الباكالوريا وتتواصل على مدى العطلة الصيفية .
كما عليه أن يستفيد أيضا مما توفره وزارة التربية والتكوين للتلاميذ عبر مكاتب الإرشاد والإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي الموجودة بكل الإدارات الجهوية من دعم ومرافقة ومن معلومات يؤمنها له مختصو هذا المجال الذين دأبوا سنويا على تنظيم الحملات الإعلامية الموجهة للناجحين في الباكالوريا ولأوليائهم بكل المعاهد ، مهما بعدت عن مراكز المدن . يقدمون النصائح والتوجيهات ويفسرون للتلاميذ سبل الإختيار الموفق ويوزعون عليهم الأدلة والمطويات الضافية . كما يستقبلونهم بمكاتبهم ويضعون على ذمتهم كل الوثائق خلال دورات التوجيه الجامعي كلها .
أما وزارة التعليم العالي وعبر الإدارة العامة للشؤون الطالبية ، فقد دأبت هي أيضا وسنويا على تنظيم الأيام الوطنية للتوجيه الجامعي ، تستدعي لها المختصين من كل المؤسسات الجامعية في كل جهات البلاد ، ومن مكاتب الإعلام والتوجيه المدرسي والمهني والعسكري . كما تقيم خلالها المحاضرات وتوزع الأدلة وتقدم المعلومة المطلوبة وتوفر كل أنواع المساعدة . ولقد زادت المواقع الإلكترونية المختصة التابعة للإدارة العامة للشؤون الطالبية www.orientation.tn ولوزارة التعليم العالي  www.mes.tn  ولكل الجامعات ومؤسسات التعليم العالي من تقريب المعلومة للتلاميذ ، في أدق تفاصيلها وأبسطها .
 ويبقى للتلميذ فقط أن يزور هذه المواقع ، أن يتردد على هذه التظاهرات ، أن يطلع على كل الوثائق بتمعن وأن يتصل بأهل الذكر حتى يساعدوه على فهم ذاته وعلى تقييم حظوظه وفق ما له من مواهب ومؤهلات وإمكانيات ذهنية ومادية واجتماعية وصحية . لأن الإختيار الناجح هو فقط الذي يكون وفق هذه المعطيات إذ المؤهلات المذكورة وحدها تضمن التوجيه الموفق وبالتالي النجاح والتميز ، وهو ما يستوجب ضرورة الإقلاع عن مطاردة الأمنيات والأحلام التي لا سند لها في الواقع المعيش للتلميذ . وهنا يكمن مشكل التوجيه الجامعي الذي تغذيه عادة مواقف بعض الأولياء المتصلبة وأمنياتهم الذاتية ومعارفهم المغلوطة بالواقع وبالمستجدات التربوية والمهنية ، فيعمدون إلى فرض آرائهم على منظوريهم وإلى التعسف على اختياراتهم مستهينين بمؤهلاتهم الحقيقية ، ويزجون بهم بالتالي في متاهات كثيرا ما يعسر عليهم الخروج منها بعد ذلك .     
      مع اعتذاراتي وأطيب تحياتي لأخي وصديقي الصحفي  الذي جاء اجتهاده مصيبا في عديد النقاط والجوانب وكان له أيضا شرف السبق في إثارة هذه المسألة الجامعية الهامة جدا بما أتاح لنا فرصة التعقيب عليها بهذه الملاحظات ، والله ولي التوفيق .

محمد رحومه
مستشار عام في الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي
الإدارة الجهوية للتربية والتكوين بقابس - 2008


mercredi 21 novembre 2012

في آليات الحملة الوطنية للتوجيه المدرسي


في آليات الحملة الوطنية للتوجيه المدرسي

تجري سنويا بكل المعاهد الثانوية حملات وطنية للتوجيه المدرسي ، تتواصل على مدى الأسابيع والأشهر . ولقد دأبت وزارة التربية منذ إقرار الإصلاح التربوي الثاني سنة 1991 على تسيير مثل هذه الحملات حرصا منها على إنجاح عملية التوجيه المدرسي وتفعيلها وعلى ضمان أوفر ممهدات النجاح لها . 
فمن المعلوم أن التوجيه المدرسي الذي يخضع له تلاميذ السنوات الأولى والثانية ثانوي في نهاية السنة الدراسية ، يرتقي بهم من التكوين العام المشترك إلى مجال الاختصاص المحدد الذي من شأنه أن يرسم للتلميذ الوجهة الملائمة لإمكانياته ومؤهلاته الفكرية والجسدية . ويدفع بمساره الدراسي في اتجاه مزيد الضبط والتحديد من خلال إقرار مسلك دراسي له في نهاية السنة الأولى ثانوي يحول في نهاية السنة الثانية إلى شعبة دراسية معينة له من بين تلك التي يوفرها النظام التربوي التونسي ، فيكون مستقبله بالتالي إما في الآداب أو في الرياضيات أو في العلوم التجريبية أو في العلوم التقنية أو في الإقتصاد والتصرف أو في علوم الإعلامية .
ومن هذا المنطلق يمكن أن نؤكد أن التوجيه المدرسي هو عملية إرشادية نرافق خلالها التلميذ على مدى السنة لنقدم له النصح والإرشاد ونوفر له المعلومة ونساعده على حسن الإختيار وعلى اتخاذ القرار السليم . ولما كانت المهمة كذلك فهي تبدو على قدر كبير من الخطورة والحساسية إذ أن تأثيراتها حاسمة على مستقبل التلميذ المدرسي والجامعي والمهني .
فمعلوم أن الإختصاص الذي سيوجه له التلميذ وسيزاوله في السنتين الثالثة والرابعة يتعمق في ما بعد ويتحدد أكثر في التوجيه الجامعي الذي يلي الحصول على الباكالوريا مباشرة . ومن خلال هذا التوجيه الجامعي يمر الطالب إلى الحياة المهنية في ما بعد ، ومن ثمة الحياة الإجتماعية بشكل عام . وهو ما يوضح قيمة التوجيه المدرسي وحساسيته باعتباره حجر الأساس في المشروع المستقبلي للتلميذ دراسيا مان أو مهنيا أو إجتماعيا ، كما ذكرنا .
ويتولى الإشراف على هذه الحملات مستشارو الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي . وهم نخبة من الأساتذة المختصين الذين وقع انتقاؤهم عبر المناظرات الكتابية والشفوية ووقع تكوينهم في الداخل والخارج على مدى سنتين ، تحصلوا على إثرها على شهادة المرحلة الثالثة المتمثلة في ديبلوم الدراسات الجامعية المختصة (DESS) أو الماجستير المهني حسب التسمية الجديدة ، في مجال الإعلام والإرشاد والتوجيه المدرسي والجامعي ، ويساعدهم في هذا النشاط بالمعاهد عديد الأساتذة من ذوي الخبرة والتواصل الجيد مع التلاميذ .
وكما تتجه هذه الحملات إلى التلاميذ لتحقيق الأهداف والغايات التي ذكرنا ، فهي تتجه كذلك إلى الأولياء في اجتماعات خاصة بهم يحرص المشرفون على عقدها خارج أوقات العمل العادية أي مساء الجمعة أو مساء السبت لتيسير حضورها على الأولياء وضمان مواكبتهم لها . ويقع إرشادهم خلالها إلى حقيقة دورهم في إنجاح عملية توجيه أبنائهم دون ضغط أو تسلط على رغباتهم واختياراتهم ، وإلى نوعية المساعدة التي بإمكانهم تقديمها لهم من خلال توعيتهم بحقيقة إمكانياتهم ومواهبهم حتى يتعرفوا أكثر على شخصياتهم ولا ينجروا وراء رغبات وطموحات فضفاضة وغير واقعية قد يعسر أو يستحيل عليهم تحقيقها بسبب معيقات ذاتية أو عائلية يجب تنبيههم إليها مبكرا .
وخلال الإتصال بالتلاميذ الذي يتم عادة في شكل مجموعات صغيرة لا تزيد عن القسم الواحد ، يقع توزيع وشرح دليل التوجيه المدرسي الذي تطبعه سنويا وزارة التربية بالإضافة إلى بطاقة الإختيارات ، وبيان كيفية الإستفادة منه ومن المعلومات الموجودة به ، مثل ما تعلق بآفاق الشعب وبشروط الإنتماء إليها ، وكذلك كيفية تعمير البطاقة ، بما أن ذلك يتطلب من كل تلميذ عدم الإقتصار على اختيار وحيد ، بل تقديم مجموعة من الإختيارات للمجلس من خلال ترتيب الشعب الدراسية المقترحة عليه ترتيبا تفاضليا يأخذ بعين الإعتبار رغبة التلميذ وامكانياته من جانب ، وكذلك إمكانية تلبية هذه الرغبة الخاضعة أحيانا لطاقة الإستيعاب وللتنافس الذي يفرضه إقبال التلاميذ على هذه الإختصاصات .
ومعنى ذلك أنه لا فائدة لتلميذ من التشبث برغبة لا تتماشى وإمكانياته أو ليست له حظوظ كبيرة في التحصل عليها ، لأن مجلس التوجيه المكون أساسا من أساتذة قسمه سوف يعمل على تعديلها وتصحيحها كلما تبين له أنها غير موضوعية ولا تضمن للتلميذ مواصلة موفقة في دراسته الثانوية والجامعية مستقبلا.
وأجملت هذه الوثائق أسس عملية التوجيه المدرسي في نتائج التلميذ ، مؤهلاته الفكرية والجسدية ، إهتماماته وميوله ، ثم رأي وليه ومقاييس التوجيه في كل شعبة . وجرت العادة بإعلام التلاميذ بهذه المقاييس وتفسيرها لهم منذ الحملة الإعلامية الأولى في بداية السنة الدراسية والتي تبرمج خلالها أيضا اجتماعات بأساتذة هذه المستويات إضافة إلى بقية الفقرات الأخرى .
بقي أن نشير في الأخير إلى أن عملية التوجيه المدرسي تجري في دورتين ، تسمى الأولى التوجيه الأولي أو التمهيدي أو المبدئي ، إذ تعقد المجالس عادة في النصف الأول من شهر ماي للنظر في رغبات كل التلاميذ دون استثناء ومقارنتها بإمكانياتهم وبما حصلوه من أعداد ومعدلات خلال الثلاثيين الأول والثاني ، وتنبيه من ظهرت لديه اختيارات غير موضوعية أو بان لديه تناقض بين الرغبة والإمكانيات حتى يحرص على تعديلها في ما تبقى من السنة الدراسية أو تدارك نقصه في تلبية شروطها .
أما التوجيه النهائي فهو الذي يجري في الدورة الثانية عند انعقاد مجلس التوجيه بكل معهد بعد الإنتهاء من مجالس الأقسام الأخيرة ، أي في الأسبوع الأخير من شهر جوان ، وبعد أن تكون نتائج التلميذ وأعداده قد اكتملت في الثلاثي الأخير . ويمكن التلميذ في كلتى الدورتين من الإعتراض على قرار توجيهه ومن مزيد مناقشته مع المسؤولين ليمتع بإعادة توجيه إذا ما تأكدت وجاهة إعتراضه .  
كما  تنشط طوال السنة خلايا الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي التي وقع تركيزها في السنوات الأخيرة بمختلف الإدارات الجهوية للتربية بما تشهده من مقابلات فردية مع التلاميذ ومع أوليائهم لمساعدتهم على حسم قرارتهم وعلى التغلب على حيرة الإختيار النهائي . إن مختلف هذه الأطر ، وهذه الأنشطة والمجهودات التي أشرنا إلى البعض منها في هذا العرض السريع تعكس عمق الأهمية التي نعطيها جميعا للتوجيه المدرسي .
كما أن متابعة التلميذ ومرافقته على مدى السنة مثلما ذكرنا تعكس بجلاء جانبا من الرعاية النفسية والتربوية التي يحظى بها تلاميذ هذا المستوى الحساس باختياراته المصيرية وبمستواه العمري الحرج . أما بقية المستويات فلها هي الأخرى حظوتها وأطر رعايتها ومناسبات الإلتقاء بها من طرف المسؤولين والمختصين .

محمد رحومة
مستشار عام في الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي
الإدارة الجهوية للتربية بقابس
مقال منشور بجريدة الصحافة يوم 27 ماي 2000 ص2 (بتصرف)


vendredi 29 juin 2012

التوجيه الجامعي التونسي من المساواة إلى الإمتياز


التوجيه الجامعي التونسي
بين هاجس المساواة و جدارة الإمتياز

      نقصد بالتوجيه الجامعي عملية التوزيع على الشعب والاختصاصات الجامعية التي يخضع لها التلاميذ الناجحون في الباكالوريا مباشرة اثر الإعلان عن نتائج الدورة الثانية من هذا الامتحان. وهو يختلف عن التوجيه المدرسي من حيث الجمهور والموعد والتوقيت ومن حيث الأهداف والآليات.
فالتوجيه المدرسي يعنى بتلاميذ أقسام ومستويات ما دون الباكالوريا أو ما دون الثانوية العامة كما يسميها آخرون أي تلاميذ الأولى والثانية ثانوي لتوزيعهم على الشعب الدراسية التي يوفرها النظام التربوي التونسي مع إبقائهم داخل نفس المؤسسات التعليمية الثانوية. ويتم ذلك حسب الهيكلة الجديدة للتعليم الثانوي على مراحل خلال مجلسين خاصين يحضرهما كل أساتذة هذه الأقسام ينعقد الأول في نهاية السنة الأولى ثانوي ويوزع التلاميذ على المسالك الأربعة المعروفة : الأدبي ، العلمي، التكنولوجي والاقتصادي .
وينعقد الثاني في نهاية السنة الثانية ثانوي ليوزع تلاميذ المسلك العلمي على شعب الرياضيات والعلوم التجريبية والعلوم التقنية ويثبت تلاميذ المسالك الأخرى أو يعيد توجيه من رغب منهم في ذلك .
أما التوجيه الجامعي فينجز على المستوى الوطني أي بالإدارة العامة للشؤون الطالبية وهو يرتقي بالطالب من المرحلة الثانوية إلى المرحلة الجامعية فيخرج به من نمط معين من الحياة التربوية المبني على المتابعة اللصيقة والمرافقة الدائمة والإحاطة والتوجيه وحتى العقاب والإلزام أحيانا وبطرق مختلفة باعتبارها مرحلة ينظر له فيها بشكل عام على أنه طفل مكفول أو مراهق ينوء بأتعابه الذهنية والنفسية ، ليرتقي إلى نمط مغاير كليا يترك مجالات فسيحة للطالب للتحرك بحرية وبتلقائية على اعتبار أن تكوينه ونضجه ونموه على كل المستويات النفسية والفيزيولوجية والذهنية قد شارفوا جميعا على الاكتمال وهو ما يحتم تمتيعه بقدر كبير من الحرية وتعويده شيئا فشيئا على تحمل المسؤولية والاندماج داخل كل الفضاءات على اختلاف أنواعها وداخل المجتمع بشكل عام. وهذا التوجيه الذي يسعى إلى إسناد اختصاص جامعي لكل طالب يعمق به معرفته وتخصصه ويكون مدخله في ما بعد إلى الحياة المهنية والى الاندماج الاجتماعي والانخراط في الحركة الإنتاجية وفي العمل التنموي بالبلاد, هذا التوجيه له مقاييسه وتنظيمه أو مراحله ومبادئه العامة.

1- مقاييس التوجيه الجامعي :
ككل عمل محكم, فإن التوجيه الجامعي ينبني على مجموعة من العناصر والمقاييس التي جاءت بها وثائقه ومناشيره الترتيبية. وأساسه بالتأكيد هو التكامل بين الميولات والاهتمامات من جهة والإمكانيات من أخرى. فمن المشروع جدا ومن الضروري أن تكون لكل إنسان طموحات ورغبات تعطيه المزيد من الدافعية وتمثل محركه الداخلي الذي يشحذ عزيمته ويجعله أكثر إصرارا على التقدم والتألق. غير أن ذلك يجب أن يتطابق مع الإمكانيات التي يتمتع بها الطالب والتي من شأنها أن تضمن تجسيد هذه الأحلام وهذه الطموحات على مستوى الواقع العيني المحسوس.
وهذا هام جدا وهو ما يجب أن يأخذه الطلبة والتلاميذ بعين الاعتبار لأن المسافة بين الحلم والواقع لا تختزل إلا بالإمكانيات, وهذه الأخيرة ذات تجليات عديدة متنوعة إذ منها ما هو ذهني يرتبط بطاقة الاستيعاب الفكرية وإمكانيات الحفظ والتذكر لدى الطالب وبالتالي قدرته على مزيد التوغل في الاختصاصات بنجاح وتوفيق ودون إشكاليات دراسية علمية. ومنها ما هو بدني فيزيولوجي يرتكز على القدرات الصحية باعتبار وأن الكثير من الاختصاصات تستدعي مثل ذلك سواء من حيث التكوين أو من حيث المستقبل المهني الذي قد يعتمد الحركة والتنقل أو التعامل مع بعض الوضعيات الخصوصية التي تتطلب جميعا طاقة كبيرة على التحمل.
ومنها كذلك ما هو اجتماعي يرتبط خاصة بالوضع المادي للأسرة وبوفرة مواردها المالية التي من شأنها أن تيسر إلى حد كبير مهمة الطالب وتضمن له أوفر فرص النجاح. والى جانب هذه المقاييس هنالك أيضا معطيات أخرى ترتبط بالمؤسسات الجامعية المرغوبة وما يتوفر لديها من إمكانيات التكوين والتأطير في كل اختصاص تقترحه على الطلبة وهو ما يسمى عادة بطاقة الاستيعاب والتي يقع التصريح بها سنويا بدليل التوجيه الجامعي.
ثم لا يجب أن ننسى كذلك مسألة الأعداد والمعدلات التي حصلها التلميذ في الباكالوريا والتي يحتسب على أساسها المجموع الذي من شأنه أن يعطيه ترتيبا عاما مع الطلبة الراغبين في نفس الاختصاص فيوفر له موقعه ضمن طاقة الاستيعاب أو يجعله خارجها. وهذا المجموع يحتسب على أساس معادلة تتكون من صيغة إجمالية تشمل الصيغة الأساسية الموحدة أي المعدل العام للباكالوريا ضارب 5 والصيغة الخصوصية لكل اختصاص في الباكالوريا حسب ماله من مواد مميزة. ويمكن إجمالها كما يلي في المعادلة المعروفة لدى المعنيين :
الصيغة الإجمالية: [(الصيغة الأساسية + الصيغة الخصوصية)]
أما الصيغة الخصوصية التي تعتمد معدلات المواد المميزة لكل شعبة فتحتسب كما يلي:
شعبة الرياضيات
 (مادة الرياضيات × 2) + (علوم طبيعية ×0.5) + (فيزياء× 1.5)+)فرنسية+انجليزية/2(
شعبة العلوم التجريبية
(مادة الرياضيات × 1) + (علوم طبيعية ×1.5) + (فيزياء × 1.5) +)فرنسية+انجليزية/2(
شعبة التقنية
(مادة الرياضيات ×1.5) + (الفيزياء ×1) + (التقنية × 1.5) +)فرنسية+انجليزية/2(
شعبة الآداب
(عربية  × 1.5) + (فلسفة×1.5)+ ) تاريخ وجغرافياx1) +)فرنسية+انجليزية/2(
شعبة الاقتصاد والتصرف
(اقتصاد ×1.5)+(تصرف ×1.5)+( رياضيات ×0.5) +(تاريخ وجغرافيا ×0.5) +)فرنسية+انجليزية/2(
علوم الإعلامية
) رياضيات x 1.5 (+)خوارزميات وبرمجةx1.5( +)فيزياءx0.5(+0.25)تكنولوجيا معلومات واتصال+ قواعد البيانات ( + )فرنسية+انجليزية/2(
رياضة
(ع ح أ x1 ) +0.5 (إختصاص رياضة نظرية + إختصاص رياضة تطبيقية)+(تربية بدنية x1 ) +(فيزياء 0.5 )+ 0,25 (فرنسية +انجليزية) + (فلسفة x1 )

والى جانب هذه المقاييس لا ننسى كذلك مكافأة التنفيل الجغرافي المتمثلة في " إسناد تنفيل ب7% من مجموع النقاط إلى كل مترشح يرغب في الحصول على شعبة موجودة في ولايته, وفي حال عدم وجودها, فإن التنفيل يسند إلى المترشح الذي يطلب شعبة في أقرب مؤسسة للتعليم العالي من مركز ولاية سكناه "[1]. وهو ما يعني أن تنفيل التقريب الجغرافي الذي يعتمد فيه المعهد الأصلي للمترشح أو مركز الامتحانات لتحديد مركز ولاية السكنى, لا يسند إلى طالبي الشعب الجامعية التي تدرس فقط في مؤسسة جامعية واحدة في كامل تراب الجمهورية أو في عدة مؤسسات متواجدة في نفس الجهة.
وبداية من سنة 2012 تقرر استثناء جميع طالبي شعب الطب وشعب المراحل التحضيرية للدراسات الهندسية بجميع الكليات والمدارس العليا من التعامل بهذا التنفيل نظرا لتأكد استفادة جهات دون أخرى منه مما عمق شعور أبناء الجهات الداخلية بعدم تكافؤ الفرص في الدخول إلى هذه الإختصاصات الطبية والهندسية . 

2- تنظيم التوجيه الجامعي :
بما أنه يستحيل عمليا وبالإمكانيات المتوفرة حاليا القيام بعملية توجيه كل الناجحين في الباكالوريا في وقت متزامن وبكيفية محكمة فإنه وقع اللجوء إلى طريقة أخرى عملية وأكثر يسرا تتمثل في تنظيم التوجيه الجامعي على مراحل, أي وفق روزنامة من ثلاثة دورات. وهو الإجراء الذي جاء به المنشور عــ19ــدد لسنة 1997 ووقع تعديله في ما بعد, مبررا ذلك بما عرفه عدد المتحصلين على شهادة الباكالوريا من تطور وارتفاع وبتقلص فاعلية الطريقة القديمة للتوجيه الجامعي التي كانت تعتمد الدورات المفتوحة للجميع وبشكل متواز بما " أن أكثر من 85% من طاقة الاستيعاب تسند خلال الدورة الأولى للتوجيه وبالتالي يصبح مجال الاختيار محدودا جدا أمام المترشحين إلى الدورات اللاحقة ". وبناء على ذلك وعلى اثر بعض التعديلات المتتالية استقر الرأي أخيرا ( 2013 ) على أن يقع توزيع كل الناجحين في الباكالوريا على مجموعتين وفق نسب ماءوية متساوية :
-       المجموعة الأولى المتكونة من 50% من المترشحين الأفضل ترتيبا
-   المجموعة الثانية متكونة من 50% الباقية من المترشحين وممن لم يتحصلواعلى   توجيه في الدورة الأولى .
-   ثم تضاف دورة ثالثة للتوجيه الجامعي وتكون لغير الموجهين في الدورة الثانية .
وينتهي بذلك إسناد اختصاصات جامعية إلى كل التلاميذ دون استثناء . أما من تراجع عن رأيه في الأثناء أو لم ترضه نتيجة توجيهه هذا فيمكنه التقدم بطلب إعادة التوجيه إلى الإدارة العامة للشؤون الطالبية التي تعود للنظر في وضعه من جديد.
والملاحظ أن التمييز بين هذه المجموعات يكون على أساس المجموع المتحصل عليه من طرف كل تلميذ حسب الصيغة الإجمالية التي ذكرنا سابقا, كما أن كل مجموعة كانت تختص سابقا بلون مميز قبل اعتماد الطريقة الألكترونية على الموقع الخاص بالتوجيه الجامعي www.orientation.tn ، والذي قلت معه قيمة التفرقة والتمييز حسب الألوان .
ولترشيد الاختيارات لدى التلاميذ وتوعيتهم بالأسس الصحيحة والموضوعية للموازنة بين الشعب والاختصاصات تنظم لصالحهم عديد الحملات والحصص والتظاهرات الإعلامية, منها ما ينجز داخل الأقسام خلال السنة الدراسية من طرف الأساتذة المكلفين بالتوجيه بالمعاهد والمستشارين في الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي ، ومنها ما ينظم في فضاءات جامعية أو ثانوية أو ثقافية عامة في شكل أيام إعلامية وأبواب مفتوحة ومحاضرات تشترك في إنجازها الجامعات ومؤسسات التعليم العالي وخلايا الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي بالمندوبيات الجهوية للتعليم وأحيانا بعض المؤسسات الاقتصادية والعامة. وتتكثف هذه التظاهرات خاصة بعد إعلان نتائج الباكالوريا ومباشرة قبل تحديد الاختيار بشكل نهائي. وتتواصل مرافقة التلميذ في عملية الاختيار هذه عبر مختلف الدورات من خلال الخدمات التي تقدمها مكاتب الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي التي تؤدي حصص مداومة طوال هذه الفترة, وكذلك من خلال ما توفره مواقع الواب المختصة وصفحات الفايسبوك من خدمات, إضافة إلى الوثائق التي توزعها المؤسسات الجامعية والحصص الإعلامية التي تبثها وسائل الإعلام المسموعة والمرئية خلال مدة التحضير للاختيار .

3 - مبادئ التوجيه الجامعي من المساواة إلى الامتياز
ما انفكت عملية التوجيه الجامعي تنمو وتتشعب من سنة لأخرى مما أكسبها المزيد من الأهمية وأضفى عليها قيمة كبرى, خاصة بعد تكاثر المؤسسات الجامعية ببلادنا لتبلغ أكثر من 192 مؤسسة تقريبا وبعد تضخم عدد الشعب المقترحة على التلاميذ, أي أكثر من 700 شعبة موزعة على قرابة 300 اختصاص حسب ما ورد بدليل التوجيه الجامعي . وهذا ما جعل  من التوجيه منظومة فرعية متكاملة داخل النظام التربوي, لها أدبياتها وتقنياتها ومبادؤها المكرسة للتوازن بين مبدئي المساواة والامتياز كما أصبح لها مختصون يدرسونها في الجماعات ويحصلون فيها الشهائد الجامعية العليا.
إن الدراسة الجامعية والتسجيل بإحدى الكليات أو المعاهد العليا لاختيار التخصص في شعبة من الشعب هي من الفرص الثمينة التي يوفرها النظام التربوي التونسي لكل التلاميذ الناجحين في الباكالوريا دون استثناء ، ومجرد الحصول على هذه الشهادة يخول لصاحبها التمتع بهذا الحق . وهو ما يجسد مبدأ المساواة الذي ينبني عليه هذا النظام والذي يؤسس إحدى نقاط تميزه عن عديد الأنظمة التربوية الأجنبية التي افتقدت هذه الصفة,  ولا تكفي فيها شهادة الباكالوريا وحدها للتمتع بهذا الحق . فبعضها يشترط على المترشحين للتعليم العالي , وإلى جانب هذه الشهادة ، الحصول على مجموع معين من النقاط ، كما هو الشأن في بعض أقطار المشرق العربي مثلا حيث يضطر بعض التلاميذ إلى اجتياز امتحان الباكالوريا أو الثانوية العامة كما يسمونها عديد المرات بحثا عن هذا المجموع , وبعضها الآخر يشترط تسجيلا أوليا منذ منتصف السنة الدراسية  Une préinscription  لحجز مكان له بإحدى مؤسسات التعليم العالي كما أن أحقية التسجيل ، في بعض الأنظمة الأخرى ، تعطى فقط في المؤسسات الجامعية المتوفرة بالجهة أو المدينة التي ينتمي إليها التلميذ الناجح دون غيرها. وهي جميعا أشكال انتقائية تهدف إما إلى الحد من عدد المسجلين في التعليم العالي, أو إلى التحكم في حركة التلاميذ وفي توزعهم الجغرافي على الجهات وعلى هذه المؤسسات.
أما في النظام التربوي التونسي فإن الدراسة الجامعية حق لكل حاصل على الباكالوريا كما ذكرنا وفي المؤسسات الجامعية التي يريد إذا ما توفر له المجموع المطلوب أو التي تستجيب إلى طموحاته وتوفر له إمكانية تحقيق مشروعه الدراسي والمهني . وحتى مسألة التنفيل الجغرافي التي بدأ العمل بها في التوجيه الجامعي في السنوات الأخيرة ، والتي تعني تمتيع الطالب بإضافة 7% من النقاط التي يتحصل عليها إلى مجموعه إذا ما اختار مؤسسة جامعية قريبة من محل سكناه ، فهي غير إلزامية ولا تهم كل المؤسسات ولا كل الاختصاصات كما هو واضح في دليل التوجيه الجامعي وهو إجراء يهدف إلى تخفيف الضغط على السكن الجامعي وعلى المؤسسات الجامعية الموجودة بالعاصمة التي يتكاثر عليها الطلب عادة وبشكل مكثف, وكذلك إلى إقرار حد أدنى من التوازن بين بعض المؤسسات الجامعية وكل ذلك يؤكد الحرص الكبير على تطبيق مبدأ المساواة بين كل الناجحين مهما اختلفت اختصاصاتهم وانتماءاتهم الجغرافية.
ولهذه المساواة صورة أخرى أيضا تتجسد في التوزيع الجغرافي للمؤسسات الجامعية وفي وجود كل الاختصاصات بها حتى تكون التغطية شاملة لكل جهات البلاد وتتدعم المساواة بينها وهو ما تؤكده الإحداثات الجديدة التي نشهدها كل سنة سواء في مستوى المؤسسات أو في مستوى الشعب.
لكن يبقى الامتياز هو المبدأ الموازي للمساواة وذلك دعما للتلاميذ النجباء والموهوبين وحرصا على متابعتهم عن قرب وتوفير المزيد من فرص التألق لهم وحتى لا نفقدهم في زخم العدد المتزايد من الطلبة داخل الكليات وكذلك استجابة لشروط بعض الاختصاصات التي لا بد من رعايتها بدعم القيمة النوعية للمقبلين عليها ولخريجيها.
وهذا يعني أن الامتياز يتحول في نظام التوجيه الجامعي إلى غاية والى هاجس وطني عام نصبو جميعا إلى دعمه والى الاستزادة منه, وليس فقط معيار فرز للمترشحين. ولنفرق أولا بين ضربين من التميز الذي يمكن أن يكون عاما أو جزئيا, أي في مجموع المواد أو في بعضها, إضافة إلى امتلاك بعض المواهب وتلبية مجموعة من الشروط. فالتميز العام مطلوب لدى التلاميذ المقبلين على المعهد التحضيري للدراسات العلمية والتقنية بالمرسى الذي أعد لطلبته تكوينا عاليا يؤهلهم لدخول مدرسة البوليتكنيك Polytechnique  بتونس أو اجتياز مناظرات الدخول إلى المدارس الهندسية والتجارية بفرنسا وهو ما يستدعي معرفة جيدة أيضا باللغات وبالمواد الأدبية والفكرية إضافة إلى عدم الاستمرار في السنة الرابعة.
وهذا الامتياز ضروري أيضا للمترشحين مباشرة للدراسة بالخارج ، في شكل بعثات رسمية بالجامعات الأوروبية ، وللمترشحين إلى المعاهد التحضيرية التونسية المؤدية إلى مختلف الاختصاصات الهندسية ، وللراغبين في الإلتحاق بإحدى كليات الطب التي يتطلب الدخول إليها مجموعا هاما من النقاط . غير أن بعض الاختصاصات الأخرى تتطلب تميزا جزئيا كشرط للقبول بها أو أنها تستدعي اجتياز اختبارات.               
كما أن بعض المؤسسات الجامعية تشترط بالإضافة إلى ذلك أن لا يكون المترشح معفيا من مادة التربية البدنية في السنة الرابعة أو قد تجاوز حدا عمريا معينا                                                                                                                     عند مؤسسات أخرى في حين أن البعض الآخر يلزم المترشح بإجراء فحص طبي يؤكد سلامته من الأمراض المعدية وقدرته البدنية على مزاولة مهنته ، مستقبلا ، بكل جهات الجمهورية. والواقع أن الفرصة مواتية هنا لننبه التلاميذ إلى ضرورة الإستفادة من كل المعلومات الواردة بدليل التوجيه الجامعي بما في ذلك الهوامش والملاحظات الإضافية ما يهملها التلميذ ولا يعنى بها . 
وفي إطار الحرص على مبدأ التميز أيضا فإن مجموعة أخرى من الاختصاصات تخضع المقبلين عليها إلى اختبارات خصوصية مختلفة . وتمسكا كذلك بهذا الإجراء فإن بعض الاختصاصات الأخرى تستدعي مزاولة مجموعة من المواد الاختيارية المميزة في المرحلة الثانوية عامة أو في السنة النهائية فقط. وكتعقيب على هذه الإفادات يمكن أن نسجل الملاحظات التالية  :
أ‌-      هنالك مرونة كبيرة في نظام التوجيه الجامعي تتجسد في انفتاح الشعب على بعضها وفي تعدد المسالك أمام المترشحين ، وكذلك في إقرار إجراء إعادة التوجيه للراغبين فيها من التلاميذ والطلبة ، وجميعها تمشيات نابعة من فهم عميق لنفسية التلاميذ ومن وعي بما يمكن أن يطرأ على مشاريعهم المدرسية والمهنية من تعديلات ومن تطوير وفقا لما يرد عليهم من معلومات جديدة وما يكتسبونه من نضج . كما أن هذا من شأنه أن يخفف من حدة تطبيق بعض الإجراءات التنظيمية في التوجيه المدرسي وذلك بتوفير فرصة العودة إلى الاختيار الذي يمكن أن يرغب فيه التلميذ ، ولا يتمكن من الفوز به بسبب نقص في مجموعه يضعه خارج النسبة المسموح بها.
ب - الملاحظة الموالية تتمثل في القيمة الكبيرة التي تحتلها المواد الاختيارية في عملية التوجيه الجامعي بما أنها تمثل المدخل إلى الكثير من الاختصاصات أو شرط الربط بين الشعب وانفتاحها على بعضها, وهو ما تعي به سلطة الإشراف ، على مستوى وزارة التربية وعمدت إلى الإعداد له مبكرا أي منذ السنة الثانية ثانوي عن طريق خلايا الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي وخصصت للغرض حملات إعلامية متكاملة ينجزها مستشارو التوجيه المدرسي مع كل أقسام هذا المستوى وفي كل المعاهد لإعلام التلاميذ بما لهذه المواد الاختيارية من قيمة ومن تأثير على مستقبلهم الدراسي والمهني.
ج - أما الملاحظة الثالثة والتي لا تقل أهمية عن غيرها, فتتمثل في أن التميز الجزئي الذي تحدثنا عنه لا يعني التضييق على التلاميذ أو الحد من مجالات الاختيار لديهم بل هو يهدف إلى توزيع جيد وشفاف والى توجيه ناجح لهم ينبني على مقاييس موضوعية و عملية ومعلومة من طرف الجميع.
فكل تلميذ متحصل على الباكالوريا سيجد بالتأكيد مكانه في التعليم العالي ، والمطلوب هو فقط أن يتأكد من مواهبه ومن إمكانياته الفعلية وتميزه الحقيقي حتى يرسم سبيل نجاحه بوضوح وحتى لا يتيه وراء الاختيارات اللاموضوعية التي نجدها عند بعض التلاميذ والتي تنبني عادة إما على التقليد أو على المنافسات غير المتكافئة مع الآخرين أو على التأثر بالمعلومات الذاتية والانطباعات الخاصة لبعض الطلبة أو على التأثر بمهنة من المهن تعتبر رفيعة أو أيضا مرضاة لأحد الأولياء ونزولا عند رغبته.
        والأكيد أن لكل إنسان سوي موهبة أو مواهب وقدرات معينة والمطلوب هو اكتشافها والتفطن لها حتى يكون الرسم المستقبلي صحيحا و ناجحا ويكون التميز والنجاح مضمونين وفي ذلك تكمن إحدى رهانات الإعلام الموفق والتوجيه المدرسي والجامعي الناجح ألا وهو مساعدة التلميذ على معرفة ذاته وكشف مواطن القوة لديه ومجالات تميزه ثم مطابقة ذلك مع شروط الاختصاصات الدراسية والمهنية حتى تتوفر له حظوظ النجاح, وبالتالي مرافقة التلميذ ومساعدته على إنضاج اختياراته .
وختاما نشير إلى ما عرفته عملية التوجيه الجامعي من تطوير وتحسن كبيرين في السنوات الأخيرة من خلال إعتماد الإعلامية وتوظيفها في إنجاز عملية التوجيه عن بعد وكذلك جملة الخدمات الأخرى المرتبطة بها مثل التسجيل الجامعي وإصلاح الأخطاء والخدمات الجامعية إضافة إلى تنزيل كل المعلومات والأدلة المطلوبة على المواقع المختصة وعلى مواقع المؤسسات الجامعية ووزارة التعليم العالي ...
ومع ذلك فإن مزيد تحسين التوجيه الجامعي وتحسينه وتجويد خدماته مازال ممكنا خاصة من خلال مزيد الربط بين التخصصات الجامعية وحاجيات سوق الشغل من جهة ، ثم من خلال الملائمة أكثر بين هذه التخصصات والمستجدات العلمية التي لا تفتأ تنمو وتتفرع باضطراد .






محمد رحومة

مستشار عام في الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي – قابس




[1] - عن دليل التوجيه الجامعي لسنة 2009- ص 9 نشر الإدارة العامة للشؤون الطالبية