vendredi 10 juillet 2015

ما معنى أختار ؟

ما معنى أختار ؟

إختيار التوجيه ؟ ... أم توجيه الإختيار ؟

     نخوض في حياتنا عديد التجارب ونمر بعديد المراحل والإختبارات التي علينا أن نحسم أمرنا فيها وأن نقرر بشكل قاطع ونختار .
هنالك بالطبع أشياء لا سلطة لنا عليها ، قدرية ، وهي من باء القضاء المقرر لنا مثل : لون البشرة وجملة المواصفات الفيزيولوجية والوراثية إلى جانب الإنتماء العائلي بما فيه من أسماء وألقاب أيضا . ولكن هنالك أشياء نحن نختارها ونقررها ويجب بالتالي أن نوفق فيها ونتحمل مسؤوليتها كاملة مثل تحديد مسلكنا الدراسي ووضعنا المهني الذي يترتب عنه ويرتبط به .   
وهنا أسطر مصطلحين هامين جدا ومرتبطين ببعضهما بشكل كبير هما مصطلحي القرار والإختيار . وهما يختزلان مسألة التوجيه المدرسي برمتها التي هي في أساسها اختيار : فما معنى الإختيار ؟ وكيف أختار ؟ ومتى أقرر ؟ . هنالك في الواقع عديد الأسئلة الأخرى تطرح بتواتر وكثافة خلال مدة التوجيه الجامعي التي تتواصل على مدى أسابيع :                      
فهل نختار التوجيه مثلا ؟ أي هل هنالك فرصة ثابتة أو إختيار معين جيد في ذاته ، متميز بإطلاق وصالح للجميع وفي جميع الوضعيات ، نختاره بكل إطمئنان وسكينة ؟ ويجيب على سؤال تقليدي يطرحه التلاميذ عادة : ما هو أحسن توجيه ؟ وهو سؤال وجيه ومميز إذا قلبناه من زاوية تربوية واعية نوضحها فيما بعد .
أم أن أفضل ما نقوم به هو توجيه إختيارنا بالأساس ؟ بما يجعل من الإختيار ومن ورائه التوجيه بحثا جديا معمقا نثريه ، نهذبه وننجزه على مدى زمن متواتر طويل ، فنتحكم فيه ونبنيه بتؤدة وندفع به في المسلكيات التي تستجيب لما عزمنا على بلوغه وما صممنا على تحقيقه في المستقبل من أهداف وغايات ؟ وهو ما يرفع التوجيه إلى مستوى تربوي رفيع يجعل من عملنا ومن أولويات مهامنا التربية على الإختيار وعلى التوجيه .   
1 - التعريف :
 الإختيار يعني التفضيل بعد المقارنة والموازنة بين عديد الفرص والإمكانيات المتاحة . الإختيار ترجيح لهذا التوجه عن غيره وتمييزه باعتبار تلبيته لرغبة واستجابته لمجموعة من الشروط أو المقاييس المحبذة والمطروحة كمحددات . الإختيار هو حسم لموقف وبالتالي قرار . أو هو اتخاذ لقرار يحسم ترددا وينتصر لإمكانية دون غيرها ويرجحها .... ولنقل بوضوح أنه لكل قرار ولكل إختيار مسوغات أو مبررات ومسارات ومحاذير أيضا .  
2 - مسوغات الإختيار ومبرراته :
     نختار دائما في علاقة بمبررات مقنعة مثل الأهداف المستقبلية والمشاريع الخاصة ، ونفس الحال ينطبق على مسألة التوجيه الجامعي التي نحن بصددها ، أي نختار في علاقة بمشروع رسمناه ونحرص على إنجازه وتجسيده في الواقع ، لكن ما هو المشروع أولا ؟     يعرّف المشروع عادة على أنّه رسم للمستقبل عماده تمثّل غير الآني وتخيّل الزمن الآتي عبر بناء مجموعة من الأفعال المتلاحقة ومن الأحداث الكامنة والسيناريوهات الممكنة والمحبذة ...  وهو بهذا المعنى رؤية أو بناء فكري يستحضر المستقبل ويكتسي طابعا برغماتيا عمليا إذ فيه تتجسّد برمجة الأفعال التي يرجى إنجازها فيكتسي بذلك طابع " منهجيّة متكاملة لإستغلال الفرص " لذلك يبدو التوجيه المدرسي ثم الجامعي حجر الزاوية في بناء أي مشروع يدمج داخله ويتجسد في علاقة وطيدة به . والمشروع أنواع ، منه : 
§       المشروع الدراسي يرسم الإختصاص المزمع اتباعه .  
§       المشروع المهني يستحضر المهنة المؤمل مزاولتها .
§       المشروع الحياتي يتمثل المستوى المعيشي والمكانة الإجتماعية المرغوبة ...
هذه الحلقات الثلاثة مرتبطة ببعضها ، والتوجيه بشكل عام ، المدرسي منه الذي ينجز في مستوى السنتين الأولى والثانية والجامعي الذي يتم في مرحلة الباكالوريا يمثل قاعدة هذه الحلقات وأساسها الذي تنبني عليه مختلف مسارات المشروع الشخصي الخاص بكل تلميذ .
* نختار أيضا في علاقة بالمؤهلات الشخصية ومدى استجابتها لشروط الإختصاص الدراسي المحبذ والإختيار المرغوب فيه . والمؤهلات ترسم الملمح الشخصي العام للتلميذ :
§       المؤهلات الذهنية ( مثلا حدة الذاكرة والقدرة على الحفظ وعلى الإستذكار في علاقة ببعض الإختصاصات الطبية وشبه الطبية مثلا وغيرها .... )
§       القدرة على الإستيعاب وعلى التعامل الإيجابي مع الإختصاص ، وكذلك مدى إمتلاك منهجية البحث ، وثراء الثقافة والرغبة في الإطلاع على الحضارات والتمكن من اللغات .... إلخ  .
* نختار كذلك في علاقة بالإمكانيات والقدرات سواء منها :
§       الصحية التي يجب أن تستجيب لطبيعة الإختصاص خلال الدراسة ( مشاكل الحساسية مثلا ) وللمستلزمات المهنية فيما بعد من سلامة جسدية كاملة ومن قدرة على تحمل أعباء الشغل وأتعابه والإيفاء بمستلزماته )
§       أو الإجتماعية ( المادية ) إذ لا بد أن تراعي إختياراتنا دخل الأسرة ووضعها الإجتماعي والتزاماتها المالية ، وما يمكن أن يوفره ذلك من ضمانات للمواصلة فيما بعد وما يتيحه من قدرة على الإنفاق على السكن والنقل والمأكل واقتناء المراجع وتوفير الأدوات ... ثم بقية المصاريف الشخصية خاصة إذا لم تتوفر المنحة الدراسية ولا السكن الجامعي .... الخ
لنقل إذن إجابة على بعض الأسئلة التي طرحناها سابق أنه لا يوجد اختيار جيد في المطلق ويصلح للجميع وبالتالي لا يوجد اختصاص جامعي جيد في ذاته دون علاقة بمختلف هذه المؤهلات والإمكانيات التي ذكرنا . ويكون أفضل توجيه ، تبعا لذلك هو الذي يستجيب للملمح العام للتلميذ ويتماشى وما لديه من مؤهلات وقدرات متكاملة تضمن له المواصلة والتقدم في دراسته بنجاح وتميز . كما تيسر له التوفيق فيما بعد في المناظرات المهنية .
* نختار أيضا بالنظر إلى سوق الشغل ولكن كمقياس أخير ونسبي جدا ومتشعب العناصر ، إذ لا بد من ضمانات النجاح أولا ..... لكن تؤخذ الفرص المتاحة في سوق الشغل الآن أو بعد سنوات بعين الإعتبار ، نتمثلها ، نتوقعها ونستفسر عنها ونستقرأ ما ينبؤ بها على أرض الواقع ، ونعي دائما أن هذه السوق متحركة وفرصها غير دائمة ، مما يعني أن وضعها الحالي قد لا يكون هو نفسه لما أتخرج ... لذلك نراجع فيها الخبراء . ولا عيب في ذلك فالمستقبليات أصبحت علما اليوم له خبراؤه ومراكز بحثه الإستراتيجية .
3 - مراحل الإختيار ومساراته :
- الإختيار سيرورة : أي ينمو ، يتكثف أو يتعدل ، يتوهج أحيانا ويحتل مقام الأولويات أو يخبو ويتراجع في فترات زمنية أخرى وعبر المراحل . هو لحظة تحوز على ضرب من الكينونة المسترسلة من الماضي إلى الحاضر ثم المستقبل أو بالأحرى قبله وحينه وما بعده .
أ - إعداد الإختيار :
لابد من إعداد الإختيار عبر أنشطة مكثفة ومراجع متعددة ، لا يترك الإختيار إلى آخر لحظة ولا يؤجل إلى الردهات الأخيرة . وهذا يعني أن الإختيار الصائب لا يكون مرتجلا بل لابد من إيلائه كل ما يستدعيه من عناية واهتمام .
هو يبنى عبر البحث والسؤال والإستفسار والإستشارة بما يعني ضرورة مراجعة عديد الأطراف المالكة للمعلومة والمتمكنة من تقنيات المشورة أيضا وكذلك ضرورة مطالعة بعض المراجع والأدلة والنشريات والصحف المهتمة بالموضوع . وفي مقدمة هذه الوثائق دليل التوجيه الجامعي بالطبع الذي تصدره الإدارة العامة للشؤون الطالبية بصفتها الجهة المشرفة على عملية التوجيه والمسيرة لها ، وهي تصدره في نسخ مختلفة منها الرقمي ومنها الورقي .
فهذا الدليل ثري جدا ويحتوي على عديد الأقسام التي وقعت صياغتها بطريقة مبسطة تستحضر ما دأب التلاميذ على طرحه من أسئلة ، إذ نجد فيه :
§       العناوين الإدارية والمواقع الرقمية الواجب مراجعتها والتي يمكن الإستفادة منها .
§       كما يقدم التنظيم الدارج لعملية التوجيه من توزيع لها على مجموعات إلى بنائها في ترتيب تفاضلي على أساس مجموع النقاط المحصلة في كل حالة بما يجعل من عملية التوجيه تناظرا أساسه الجدارة والتنافس الحاد على الفرص المطروحة ، توظف في ذلك المعدلات والأعداد ونقاط التنفيل الممكنة في بعض الإختصاصات
§       كما يستعرض الدليل الفرص الإضافية المتاحة في التعليم الجامعي الخاص وفي التكوين المهني الذي يمكن من إحراز شهادات عليا في بعض الإختصاصات التقنية ...... الخ
إن إعداد الإختيار يمر بشكل متأكد عبر جميع هذه المحطات والمراحل . بل نضيف أيضا أنه لابد من مراجعة الهوامش أيضا والملاحظات الجانبية التي يوردها الدليل ، فهي محددة وبشكل حاسم أحيانا لأنها توضح متطلبات الإختصاص وشروطه الإضافية : مثل ضرورة المرور باختبارات أو ضرورة عدم الإعفاء من التربية البدنية أو عدم النزول على حد عمري معين .... الخ .
ب - الإختيار وحسم القرار :
 في موعد زمني محدد ومضبوط بشكل أولي وصارم أقرر وأحسم وأتخذ الموقف النهائي والمطلوب تسجيله على بطاقة الإختيارات المنشورة على صفحتي بالموقع الخاص بالتوجيه الجامعي www.orientation.tn   وأثبت رمزه بخانة الإختيار في الموعد المحدد دون تأخير وبعد أن حرصت على المسارات السابقة . إذن :
§       لا بد من أن أبادر وأختار قبل إنقضاء الأجل النهائي وأترك لنفسي فرصة للتعديل إن عن لي ذلك فيما بعد ، فهذا ممكن ومستحب أيضا ، والتطبيقة الإعلامية المعتمدة على موقع التوجيه الجامعي تمكنني من ذلك . 
§       لكن لا أنسى التسجيل أو التصديق في النهاية وفي كل تحوير أو تعديل .  
§       وأحرص أيضا على إعطاء نفسي كل فرص الحفاظ على دورتي عبر انجاح إختياري والإقناع به . لذلك لا يجب الوقوف عند الحد الأدنى المتكون من أربعة اختيارات بل نسجل أكثر ما يمكن من الإختيارات التي أرتاح لها أيضا وأقبلها برحابة صدر ، هي تتماشى وإمكانياتي ويمكن أن تكون من طموحاتي المحبذة أيضا .
ج - المستقبل والمتابعة:
تعني المتابعة استكمال مستلزمات الدراسة الجامعية بعد الحصول على التعيين عند الإعلان عن نتائج التوجيه ومواصلة الإستعداد لهذا الحدث المتميز :
§       إما بإعادة التوجيه لمن عن له ذلك ورغب في الإعتراض ووفر الشروط المفروضة بالطبع . أو أيضا النقل من مؤسسة لأخرى لمن إضطرته ظروفه العائلية والإجتماعية إلى ذلك .
§       أو بالحرص على موعد الإختبار بالنسبة لبعض الإختصاصات التي تستدعي إختبارا إضافيا للتأكيد ، سواء كان نفسيا أو صحيا أو رياضيا .
§       أو بمتابعة إجراءات التسجيل بالمؤسسة الموجه إليها بما فيها إعداد مختلف الملفات وتوفير المقابل المالي والوثائق الإدارية والمدنية والأذون البريدية .
§       ثم كذلك إجراءات السكن والمنح لمن رغب في ذلك وتوفرت فيه الشروط المطلوبة .
هكذا إذن يتدرج الإختيار من الإعداد في مرحلته الأولى إلى التثبيت أو التسجيل في مرحلة ثانية إلى المتابعة والتأكيد في الثالثة . علما وأن جميع هذه المراحل تنجز بالموقع الرسمي للتوجيه الجامعي www.orientation.tn وعلى الروابط الملحقة به ، سواء منها الخاصة بالإطلاع على أي نسخة من الدليل أو على الدورة والمجموع أو على محتوى البرامج المعتمدة في كل إختصاص والتسجيل والخدمات الجامعية وبالطبع رابط تسجيل الإختيار والإطلاع فيما بعد على التعيين .
يبقى هنا التذكير بأسلوب اتخاذ هذا القرار . فهذه المسألة تناولها الباحثون بالدراسة والمتابعة لدى عديد المعنيين ( من التلاميذ ) فانتبهوا إلى وجود نوعيات من الأساليب الشخصية المتوخات في التعامل مع الإختيارات وفي اتخاذ القرارات .
4 - إستراتيجيات الإختيار :
      لاحظ أحد الباحثين الفرنسيين يدعى " دينكلاج " Dinklage أن هذه الإستراتيجيات التي يمكن أن تعني أيضا الطرق والأساليب يمكن حصرها في ثمانية أنواع هي على التوالي : الإندفاعي ، القدري ، الخانع ، الإرجائي أو التأجيلي ، المتألّم ، المخطط ، الحدسي والمشلول .
غير أنّ باحثة فرنسية أخرى وتدعى " أرّوبا " Arroba أبقت في أبحاثها على ستة ضروب من الإستراتيجيات فقط هي :
  1.  الإستراتيجيا المنطقية ، حيث يقدّر الفرد الوضعية بتأنّي وبموضوعية وتعقل للتمكّن من اختيار الحل أو القرار الذي ييسّر له بلوغ أهدافه كأفضل ما يكون أو لتثمين مناقبه الخاصة على أحسن وجه .
  2.  الإستراتيجيا المتهافتة أو العمياء وتعني أنّ التلميذ يختار ويتّخذ القرار بسرعة ودون أن تصاحبه أية تصوّرات ، إما لأنّ ذلك هو مألوف لديه أو لأنه يستهين بالعواقب ولا يرى في القرار القيمة والأهمية الصحيحة .
  3.  الإستراتيجيا المتردّدة وخلالها يؤخّر الفرد أقصى ما يمكن لحظة الإختيار والإلتزام النهائي بقرار محدد أو بوجهة نظر معينة  .
  4.  الإستراتيجيا الإنفعالية أو العاطفية وينبني خلالها القرار على أسس مفاضلات ذاتية غير مبررة واقعيا ... كما أنه يرتكز على ما يجد الفرد أنه أكثر جاذبية  .
  5.  الإستراتيجيا الخاضعة أو المستكينة وتعني أنّ الفرد يتّخذ القرار بشكل يتّفق مع الإنتظارات المرتبطة بالوضعية ، انتظارات أشخاص آخرين أو انتظارات يفرضها على نفسه .
  6.  الإستراتيجيا الحدسية ، وخلالها يتأسس القرار على الإحساس الذي يسيطر على التلميذ بالمظهر المحتوم أو القدري لقراره ، فهو قضاء وقدر وهو تبعا لذلك جيد في ذاته حتى دون أن يقدر على تبريره . (2)
فليكن قرارنا عقلانيا مبنيا على مقدمات منطقية مقنعة تأخذ بعين الإعتبار جميع الحيثيات التي ذكرنا . ومع ذلك نكرر مجددا وجود مجموعة من المخاطر والمحاذير في الإختيار وفي اتخاذ القرار الصائب ، بما يستدعي ضرورة الوعي بها وتلافيها والحرص على عدم الوقوع في مطباتها ، حتى يكون اختيارنا منطقيا ، معقولا ومبنيا على أسس صلدة .
5 - محاذير الإختيار :
يمكن أن نورد هذه المحاذير في شكل توصيات مختصرة وسريعة تؤكد على العلة وتنبه إلى ما لا يجب الوقوع فيه عند الإختيار واتخاذ أي قرار :
*   لا للتهور واللامبالاة والتفويت في الفرص والمواعيد . فهذه فرصتي للدراسة الجامعية ولبناء مستقبلي وتحقيق طموحاتي وبالتالي فرصة التجسيم الفعلي لمشروعي . وإذا أضعت هذه الفرصة ولم أستغلها على أفضل وجه في أي مرحلة من مراحل الإختيار ، فلا شيء يضمن تكررها مستقبلا .
*   لا للإستهانة فالمسألة حاسمة وتأثيراتها عميقة ودائمة ، إلى درجة جعلت الكثيرين يرون أن انجاح عملية التوجيه الجامعي لا تقل شأنا عن النجاح في امتحان الباكالوريا ذاته ، ومن جانبنا نعقب على ذلك بالقول أن الفرحة بالنجاح تكتمل بالتوفق في عملية التوجيه ، حتى لا نبالغ أكثر ونتسبب في مزيد إعضال المسألة على التلاميذ .  
*   لا للمحاكاة واتباع الآخرين من الزملاء أومن الإخوة والأقارب ، فلا يوجد اختصاص جيد في المطلق ويصلح للجميع ، بل كل تلميذ يمثل وضعية خصوصية علة حده لها مؤهلاتها ومواصفاتها وإمكانياتها التي تتماشى مع اختصاص دراسي ثم مهني محدد ليس هو مشابها بالضرورة لما يصلح لآخرين مهما كانت قرابتهم .  
*   لا للمنافسات غير المتكافئة وغير المنطقية أيضا ، ولا للمجاملات كذلك ، مثل مجاملة الأولياء والأخذ بخاطرهم والسماح لهم بتحديد الإختيار والقرار بدلا عن المعني الأول . لكن لابد من التحاور معهم وإقناعهم ، وأيضا أخذ مبرراتهم ومواقفهم بعين الإغتبار . فالتوجيه الجامعي شأن خاص ، نعم ، لكنه أيضا انشغال عائلي وهاجس وطني كذلك  .
*   لا للتغاضي عن عناصر النجاح وشروطه التي ذكرناها سابقا ونعود للتذكير بها والتأكيد عليها الآن ، فالتوجيه الجيد والناجح في نهاية الأمر هو الذي يبنى على قاعدة المؤهلات والإمكانيات والقدرات ، الضامنة للنجاح الدراسي أولا والمهيئة للتوفيق في اختبارات الإنتداب المهني بعد ذلك .   
*   لا لإهمال الملاحظات الهامشية وجميع النصائح الواردة بالدليل فهي هامة وحاسمة في الفوز بالإختيار .
*   لا للإستخفاف بملاحظات ونصائح الآخرين ، فلا خاب من إستشار وطلب المساعدة في مسائل التوجيه ليست عيبا ولا نقيصة .
6 - أدوار المساعدة على الإختيار وعلى انضاج القرار وإعداده :
بهذا تتراءى لنا المسألة حاسمة بالتأكيد والمسؤولية جسيمة ، فاعتبارات الدراسة والنجاح ورهاناته تتجاوز شخص التلميذ وحده لتنبسط لدى أسرته وذويه بنفس القيمة أو أكثر وتبنى عليها الأحلام والمشاريع والأمنيات الخاصة والجماعية .
لذلك يجب إيلاؤها كل الأهمية والإعتبار بما يستدعيه ذلك من بحث وإعداد واستعانة واستشارات لدى أولي الأمر ( الأساتذة أولا ، وأساسا المكلفون منهم بالتوجيه المدرسي وهم الذين خبروا المسار طويلا ) . ولدى المختصين الذين يمتهنون الإستشارة ، المكونون في الغرض والملمون بكل تفاصيله ونقصد بذلك المستشارون في التوجيه المدرسي والجامعي الموجودون بالمندوبيات الجهوية للتربية . كما يمكن الإستفادة أيضا من خبرة الزملاء والأصدقاء والأقارب الذين عايشوا هذه التجارب وكابدوا في السنوات الفارطة متاعبها وحيثياتها ، مع ضرورة الإنتباه إلى نسبية كل تجربة دائما وخصوصيتها .
كما تجب الإستفادة أيضا من وسائل الإعلام التي تهتم بكثافة عادة بمسألة التوجيه الجامعي في مثل هذا الموعد السنوي ، ومن المواقع الرقمية على الأنترنيت وعلى الفايسبوك الرسمية منها التابعة  للمؤسسات الجامعية والخاصة ، وقد بدأت تتكاثر في السنوات الأخيرة  .
أما الأسر والأولياء فدورهم المساعدة والتنبيه والإقتراح دون إلزام أو إحراجات مبالغة . المساعدة : في تجميع المعلومات والمعارف والمراجع الخاصة بالتوجيه الجامعي كالإشارة مثلا إلى المقالات الصحفية التي نعثر عليها وإلى البرامج الخصوصية في وسائل الإعلام وإلى مصادر المعلومة المتاحة .
والتنبيه : أي لفت النظر إلى المواصفات الشخصية التي يحوزها التلميذ المعني ، مثلا حدة الذاكرة والقدرة على الحفظ أو الفهم أو إمتلاك المنهجية وحيازة قدر من الثقافة ومن المعارف العامة ، إضافة إلى التنبيه للمستلزمات المادية مقارنة بإمكانيات الأسرة .. ..
أما الإقتراح واستحضار تخصص ما فيجب أن يلتزم الحد الذي أشرنا إليه ويقدم كوجهة نظر شخصية لا ترتقي إلى درجة الفرض والإلزام الذي دأب عليه بعض الأولياء الذين يسعون إلى توجيه أبنائهم وفق أمنياتهم الشخصية ووفق تقييمهم الشخصي للمهن التي يعايشونها ويعلمون مردوديتها المالية والإجتماعية ، دون مراعاة لمؤهلات أبنائهم ولإمكانياتهم ومتناسين أن سوق الشغل ميدان متحرك يعوزه الثبات والإستمرارية ويمكن أن تتغير فيه المعطيات من سنة لأخرى . ليبقى أفضل توجيه بهذا المعنى هو الذي يتماشى وقدرات التلميذ وإمكانياته بما يضمن له فيه أفضل الأعداد والنتائج وبالتالي النجاح المتميز الذي يضمن الترتيب الجيد في جميع المناظرات مهما احتدت فيها المنافسة .  
      
خاتمة :
     واضح إذن أن عملية التوجيه الجامعي كما هو الشأن للتوجيه المدرسي أيضا تكتسي أهمية بالغة جدا إذ من خلالها يرسم مسار التلميذ ويحدد مستقبله وتفعل وتعقلن وتؤطر جميع رغباته وأمنياته ومشاريعه .  لذلك توظف له عديد الإمكانيات ويتفرغ له عديد المختصين الذين يجتهدون في تقويم أساليب التلاميذ في اتخاذ القرار ويرشدونهم إلى الإستراتيجية المناسبة التي بإمكانهم اتباعها من خلال إمعان النظر في طبيعة الرغبات التي يعبرون لهم عنها وفي نوعية إمكانياتهم وقدراتهم ويقدمون لهم كل أشكال المساعد الممكنة والمقدور عليها . ويتحدد الجهد بذلك على أنه بالأساس تربية على التوجيه يبنى خلالها الإختيار على أسس علمية منطقية تأخذ بعين الإعتبار جميع العناصر الذاتية والموضوعية حتى يكون القرار صائبا وضامنا لأقصى عناصر النجاح .

محمد رحومة
مستشار عام في الإعلام والتوجيه المدرسي والجامعي
قابس ، جويلية 2015



2 - Cité par : Yann FORNER et Odile DOSNON : Styles et stratégies de prise de décision , O.S.P ;n°4 1992 p: 369