jeudi 8 janvier 2015

المشروع الدراسي

المشروع المدرسي وإعادة التوجيه

         " يمكن أن نعرّف المشروع على أنّه سلوك إستباقي يفترض إمكانية تمثّل غير الآني وكذلك القدرة على تخيّل الزمن المستقبلي عبر بناء مجموعة من الأفعال المتلاحقة ومن الأحداث الكامنة " (1) وهو بهذا المعنى رؤية أو بناء فكري يستحضر المستقبل ، يرسمـه ، يخطّـط له و يستجـلي معــالمه ، يبرمـج لهـا ويوجّهها محاولا التحكم فيها قبل أن تفاجئه ، لذلك هو استباق للزمن ، أو بلغه الفلاسفة هو " فعل بالقوة يمثل للوعي بإستباق " (2) وهو بهذا المعنى يكتسي طابعا برغماتيا عمليا إذ فيه تتجسّد برمجة الأفعال التي يرجى إنجازها فيكتسي بذلك طابع " منهجيّة متكاملة لإستغلال الفرص " (3) ويمكن أن يكون المشروع فرديّا خاصّا بشخص محدّد ، حتى وإن كان لا يمكن أن يكون كذلك إلاّ إجرائيا كما يمكن أن يكون جماعيا يرسم طموحات وأهداف المجتمع ككل ، و" دون أن يكون حاصل كل المشاريع الفردية الخاصة ، بل وليد حوار بناء وتفاوض هادف وواقعي بين كل العناصر والأطراف المكونة لهذه المؤسسة " (4). وإذا ما كان المشروع شخصيا فيمكن أن يتفرّع إلى ثلاث :
1- مشروع عمل أو تحرك على مدى قصير حسب تسمية F. Dubet  ، وهو الذي يقابل مشروع التوجيه المدرسي.
2- مشروع على المدى الطويل للكهول أي خاص بفترة من العمر أكثر تقدّما ، وهو في واقع الأمر مشروع إندماج إجتماعي ، ولما كان هذا الأخير يمرّ حتما عبر النشاط والعمل والمشاركة الإجتماعية حتى يتيسّر قبول الفرد داخل المجموعة ، فإن هذا المشروع سيكون بالتأكيد مشروعا مهنيا .
كما يضيف F. Dubet  ملاحظا أنّ عملية تكيّف الشبان يتحدّد شكلها من خلال كيفية أو صيغة الربط التي سيقع اعتمادها بين المشروع الدراسي والمشروع المهني . والتي يمكن أن تكون حسب رأيه إمّا رضى أو صراعا أو هروبا أو لا مبالاة .
3- وإلى هذين المستويين من المشروع يضيف رودريقاز تومي  Rodriguez Tomé ثالثا أكثر شمولية وأسماه المشروع الحياتي ، وهذا المشروع متجذّر في أعماق شخصية الفرد . وبذلك تتهيكل مستويات المشروع و تنحصر في ثلاث : المشروع الدراسي ، المشروع المهني ، والمشروع الحياتي (5) دون ملاحقة بقية التسميات التي يمكن أن نعثر عليها في ميادين أخرى كثيرة . غير أنّ ما يعنينا في هذا البحث هو المشروع الأوّل ، أي المشروع الدراسي نظرا لوثيق إرتباطه بعملية التوجيه المدرسي التي نحن بصددها ، حتى وإن كان غير منفصل عن بقيّة المستويات .
         لقد غزت فكرة المشروع كل المجال المدرسي منذ السبعينات وأصبح من المحبذ لكل تلميذ ، بل من شروط نجاحه أن يرسم لنفسه مشروعا دراسيّا ينبسط في حياته المدرسية لربط ماضيه بحاضره ومستقبله  أي يستعيد فيه مساره بكل ما اعتراه من تميّز أو من كبوات وصعوبات مثل سنوات الإستمرار والإخفاق التي سيكون لها تأثير عميق في نوعية دراسته المقبلة ، ويقيم خلاله إمكاناته الحالية وما تخوّله له من إختيارات . ومن خلال هذه العناصر جميعا يكون بإمكانه تحديد الملامح العامة على الأقل لمستقبله ولنوعية حياته المقبلة .   وبذلك يكون المشروع الدراسي سفرا في الزمن أهم محطّه له بإطلاق هي محطة التوجيه الـمدرسي التي يتمّ خلالها الربط بين كل الأخريات ؛ ويضمن التوفيق خلالها الجــزء الأوفــر مــن حظوظ نجاح المشروعين الآخرين ، أي المهني و الحياتي .
ولمّا كانت المسألة على هذا القدر من الأهميّة فإن مسؤولية صياغة المشروع الدّراسي للتلميذ وكذلك متابعته وإسناده لضمان نجاحه ، تكبر هي الأخرى وتصبح أكثر إحراج .
إنّها أوّلا مسؤولية التلميذ الذي عليه أن يتخذ سلسلة من القرارات الخاصّة بمستقبله وأن يمتلك مشروعا متكاملا بكلّ مستوياته يكون له المرجع والهدف والحافز الذي يدفعه باستمرار إلى الأفضل وأن يصوغه بكل موضوعية وبوعي عميق بذاته بعيدا عن التخيّلات المثالية وعن المستحيل . وهو ما يستدعيه إلى إدراك حقيقة إمكانياته والكشف الدقيق عن واقع قدراته الجسدية والفكرية والنفسية للتنبوء بما يمكن أن تخوّله له وأن تمكنه من بلوغه ، حتى يدرك منذ البداية إن كان هذا المشروع قابلا للإنجاز والتجسيم .
غير أن عملية إنضاج المشروع الدراسي وهيكلته واكتماله لا يتحمّل وزرها التلميذ بمفرده ، بل يمثل ذلك  " رهانا يجب أن تتجنّد له عديد الأطراف : المراهق ، الولي ، المربّي ، مرشد التوجيه وبشكل عام كل شخص يمكن أن يكون مثريا له . و تكون المفارقة هنا أن المشروع الفردي ليس فرديا بالمعنى الذي يمكن أن توحي به المفردات " (6) إذ للوسط تأثير متأكد أقله " أن التلميذ الموجود في وسط يسير أو يعمل وفق مشاريع فإنّه سيتبنّى هذه الطريقة في السلوك " (7) من تلقاء نفسه ويكون دور الكبار هو المساعدة والمشورة والعون على تجاوز حالات التردد ، لكن دون أن يتحوّل ذلك إلى الإختيار عوضا عن التلميذ أو إلى إملاء اختيارات معاكسة لرغبته وغير متماشية مع إمكانياته كما يعمد إلى ذلك بعض الأولياء الذين يرون في توجيه أبنائهم فرصة قد تؤدي إلى تحقيق حلم شخصي طالما راودهم ، غير واعين أن ذلك قد يؤول بأبنائهم إلى الفشل .
     إن المطلوب هو توفير إطار يكون فيه التلميذ فاعلا ، واعيا بحقيقة وضعه ، قادرا على تحديد اختياراته إنطلاقا من إعلام يمكنه من تطوير أفكاره ، ومن تصحيح أخطائه ومن المرور بأكبر سرعة ممكنة إلى الإستشراف وإلى صياغة المشروع ... " الذي عليه أن يأخذ بعين الإعتبار الأهداف التي تتبنّاها وتسعى من أجلها المجموعة بأسرها . والمطلوب كذلك هو الإعتناء بالقدرات و الإنتظارات الحالية للشاب . وهذه القاعدة تنطبق على المعلومات حول المهن والدروس أو الشهائد التي تمكّن من الظّفر بها " (8) .
وبهذه الكيفية يحصل التفاعل الإيجابي بين الطموح الشخصي الذي يتهيكل في مشروع دقيق التخطيط     وبين ما يوفره المحيط من ثراء ومن حوافز فيكون التوافق بين ما وقع التخطيط له وما وقع إنجازه أو ما ينتظر إنجازه مستقبلا وهو ما يعني نجاح المشروع ، ونجاح الإستراتيجيات التي وقع ضبطها لتحقيق الأهداف المرسومة غير أن هذا التوافق المنشود ليس دائما مضمونا ، إذا أن الفشل يبقى مخيّما دائما وفي أية لحظة على المشروع ، وهو فشل ظرفي وعابر أحيانا أو هيكلي ونهائي في فترات أخرى وهو ما لاحظه " بــوتيني Boutinet " ، عندما أكّــد " أن المشروع هو بإستمــرار وطوال مسـاره خليط من النجاح والإخفاق " (9) .
ولئن تحدثنا عن شروط نجاح المشروع وما يستدعيه ذلك سواء من التلميذ أو من المحيط فإن الإخفاق أيضا يمكن أن يكون وليد تقصير من قبل أحدهما .
إنّ الإشكال يكمن في كون الفترة التي يطالب فيها الشاب عادة بتكوين مشروعه الشخصي ليست هي الأمثل بما أنّها تتزامن وفترة المراهقة التي تتخلّلها أيضا مرحلة تكوين الهويّة والوعي بالجسد إضافة إلى مراجعة أشكال العلاقة مع الآخرين ، فيتشتت بذلك إهتمام الشاب وكثيرا ما يعسر عليه التركيز وإدراك حقيقة إمكانياته وتحديد إهتماماته بدقّة وبشكل نهائي . وكثيرا ما وقف حائرا أمام عواطفه المتهيجة وأحلامه اللآّنهائية ، وهو ما يمكن أن يمنعه من التحكم في الزمن الذي تستدعيه صياغة مختلف المشاريع . إنه في هذه الفترة يحيا مشروعه بشكل مثالي ومستعجل ويسعى إلى الإنجاز المباشر والسريع وليس إلى إنضاج المشروع " (10) . وكل ذلك يؤدّي به إلى الإختيار غير الصّائب خلال عملية التوجيه التي سيمرّ بها وهي العمليّة التي من شأنها أن تحكم على مشروعه بالفشل الظّرفي وتكون الإنتكاسة . ومن التلاميذ في هذه الحالة من يتمسّك بنفس المشروع مصرّا على المواصلة فيه فيكون مضطرّا إلى قبول الإستمرار في نفس القسم وإعادة السنة السادسة كاملة إقتناعا منه بأن المواصلة في نفس الإختيار والإلتزام بالتوجيه الذي كان قد حصل عليه سيمكنانه من تجسيد أحلامه ومن تحقيق مشروعه . لكن هناك من يعمد إلى إعادة النظر في هذا المشروع ، فيتخلّى عنه كليا أو عن بعض جزئياته أو يحاول تحقيقه عبر إختيارات ومنافذ أخرى ويتقدّم بسبب ذلك بطلب إعادة التوجيه .
وبذلك تكون عملية إعادة التوجيه وثيقة الصّلة بالمشروع المدرسي إذ أنها تمثّل فرصة لتعديله ولمزيد إحكام صياغته وتهذيبه بعد أن بانت للمعنيّين بعض الثغرات ومواطن الضعف فيه ، أو فرصة للتخلّي عنه بعد أن ظهر ضعفه ولاواقعيته واستبداله بمشروع آخر عمليّا أكثر ومراع لإمكانيات التلميذ الحقيقيّة ولما يمكن أن تخوّله له قدراته .
وكل ذلك يجعل من عمليّة إعادة التوجيه مرّة أخرى ضرورة وسلوكا رائدا ينضاف إلى مجمل إيجابيات النظام التربوي ويدعمها .
وهو ما يزيد مجدّدا في ثقل مسؤولية الجميع في المؤسسة التربوية إضافة إلى المشرّع والولي ، إذ يكون التلميذ في هذه الوضعية في حاجة أكبر إلى دعمهم ومساندتهم وتشجيعهم ، ومنهم يحتاج خاصّة إلى التعلم أن للأزمات شكلها الإيجابي أيضا إذ أنها تمكن من التنبّه إلى مواطن الضّعف وإلى السلبيات ، وعبرها تكون إعادة البناء والصّياغة على دعائم أكثر صلابة وأوفر حظوظا للنّجاح . إن فشل المشروع الدّراسي أو تعثره يوفّر فرصة تساؤل وإثارة للعمل دون أوهام ، وتكون إعادة التوجيه منطلق إعادة هذا البناء وفرصة لاستغلال هذا الوعي الجديد وتوظيفه بشكل مفيد .



 



المراجع :

 1 - Dictionnaire Encyclopédique de l’éducation et de la formation ;éd.Nathan 1994 - p:802 article : Projet , Françoise Cros
2- Odile Carré : Groupes et Processus d’orientation ; O.S.P N°2 1991 - p: 193
3- Jean Pierre Boutinet : Anthropologie du Projet - 3ème éd. PUF 1993 p: 233
4-Françoise Cros مرجع سابق ص803
5-J.P. Boutinot مرجع سابق ص 91
6- Dictionnaire Encyclopédique de l’éducation et de la formation ;éd.Nathan 1994 - p:802 article : Projet de André Philippe p:809
7- Richard Etienne : Projet individuel de l’élève p: 372
8- المرجع السابق
9 - مرجع سابق J.P.Boutinet ص263
10- مرجع سابق Odile Carré  ص 186


محمد رحومة 
مستشار عام التوجيه المدرسي والجامعي 
المندوبية الجهوية للتتربية بقابس