mardi 3 décembre 2024

قراة في الكتاب الجماعي : أي مدرسة نريد ؟

 


واقع التلميذ التونسي وانتظاراته

من خلال كتاب: أيّ مدرسة نريد؟

 

 

تقديم:

- بعد الإطلاع على كتاب "أي مدرسة نريد" وعلى ضوء ما ورد به من تحاليل واقتراحات، خامرتنا الأسئلة التالية:

- كيف يشخص هذا الكتاب الواقع داخل المؤسسات التربوية؟ وماهي انتظارات التلميذ التونسي من المدرسة التي يريد ؟

- ماهي الإجراءات التي يقترحها المؤلفون لتطوير هذا الواقع حتى يستجيب لانتظارات التلاميذ ويعالج مشاغلهم؟

1 – الإنتظارات: يمكن إبراز وضع التلميذ في المدرسة التونسية وتشخيص انتظاراته انطلاقا من المقابلات الفردية التي أجراها ثلاثة من مؤلفي هذا الكتاب (سامي – محرز – فتحي) مع عديد التلاميذ واعتمدوها كشهادات حية لتسجيل ملاحظاتهم وإنجاز تحاليلهم.

2 – ما يحتاجه التلاميذ للإقتراب من تحقيق هذه الإنتظارات وتذليل العقبات الحائلة دونها: (- التفهم لحاجيات التلاميذ ولواقعهم النفسي وتطوير المناخ المدرسي – المرونة وتعديل الزمن المدرسي – المرافقة التربوية – الإصغاء – عدم طرد التلاميذ وفتح المزيد من المسالك أمامهم وتطوير التوجيه المدرسي – التربية الرقمية والإعلامية للإستفادة الفعلية من الشبكة ومن المواقع الإلكترونية).

3 – قيمة هذه الإحاطة وفعاليتها:

- الإرتقاء بالحياة المدرسية وفتح مسلك مهم جدا للتفكير في واقع المدرسة ومستقبلها.(منصف) – تحسين ظروف العيش بالمؤسسات التربوية وضمان تجويد الحياة المدرسية وتطوير المناخ المدرسي بما يدعم الإعتزاز بالإنتماء لهذه المؤسسات وببهجة التردد عليها. 

1 – تشخيص الوضعية داخل المؤسسات التربوية

أ – واقع الحياة المدرسية

- "تعتبر المدرسة أحد أهم فضاءات الإنتماء التي يرتبط بها التلميذ"(ص46)... بها يجد أترابه ويبني علاقات معهم وينظم إلى المجموعة التي يرتاح إليها.

- التلاميذ يتقاسمون المشاعر وعديد الأشياء الأخرى (الملابس – المآكل...)

- هم يبنون الآمال والطموحات ويرسمون المستقبل معا

- هنالك يكون لقاء الأقران الذين يعيش التلميذ معهم نفس الواقع ونفس الصعوبات النفسية والمادية ونفس العلاقات التربوية مع المدرسين وبقية الإطار التربوي.

- المدرسة فضاء لتعلم العيش معا وإدراك سبله واستحقاقاته

- بها تتوطد العلاقات الإجتماعية وينسج التعارف وتتوفر مجالات المشاركة وادراك قيم المواطنة.

- كل هذا يظهر في الأنشطة الاجتماعية ، في التعاون داخل الفصول ، في الإحتفالات وتبادل الزيارات، في التهاني بالمناسبات، في افتقاد الزملاء والسؤال عنهم وفي مواساتهم عند الإقتضاء ... الخ

- الإنخراط في الأنشطة التي تنظم داخل الفصل ، وداخل المؤسسة وخارجها

- إدراك الحقوق والواجبات وحدود الحرية واستحقاقات العيش معا ومحددات السلوك القويم (في اللباس – في القول – في التعامل مع الفضاءات) والتكيف مع المحيط : تعلم الإنضباط والقبول بالواقع والتأقلم معه.

- إدراك قيمة الإندماج وشروطه.

بذلك يضمن التلميذ لنفسه "حياة مدرسية محفزة أكثر على متعة التعلم وبهجة الحياة"(48) بما يحيط بها من عناية وتأطير ومناخ مدرسي جاذب يمتن علاقة التلاميذ بمؤسساتهم.

- هل هذا متوفر فعلا بمؤسساتنا التربوية؟ ... نلاحظ كثرة المناشير والمذكرات المدرسية المتعلقة ب : التواصل والمرافقة والإحاطة والإصغاء والحوار والسلوك الحضاري والتنشيط الثقافي والتوجيه .... غير أن "تنزيل (كل هذا) في الواقع المدرسي محدود جدا، فنحن نلاحظ ضعفا في مستوى هياكل الإحاطة بالتلاميذ ومحدودية في العدد وتشتتا في الجهد"(49). وأكثر الإجراءات المتخذة بقيت حبرا على ورق أو هو وضع يسير "بتعثر أو دون أثر يذكر"(50) وهو ما أكده التلاميذ خلال الحوارات معهم إذ "بينوا حدود هياكل التواصل وآليات الإصغاء وضعف الروابط وتوتر العلاقات وعبروا عن إحساسهم بعدم الاهتمام في ظل مدرسة تخلت عن الإحاطة بهم ، مما يفسر عدم شعور فئة من التلاميذ بالإنتماء إلى مؤسستهم ونفورهم منها"(51) مثلما أشار إلى ذلك الباحث سامي الحبيب.

- عزوف عن الدراسة يظهر في التأخيرات والغيابات المتكررة أو في الإنقطاع الكلّي إمّا اختيارا في المغادرة التلقائية أو رفتا لأسباب قانونية لا تسمح بالإستمرار ولا تمنح فرصا إضافية للمواصلة.

- ضعف الشعور بالإنتماء تنجرّ عنه عدم الغيرة على المؤسسة وعدم التشبث بالنجاح وبالمواصلة.

- المدرسة التونسية منفرة: اشتكاء التلاميذ من عدة أفعال تدعم رأيهم وتجعلهم لا يقبلون عليها منشرحين مثل(ص52) : - التعامل الفوقي والحاد الذي يلقونه من المسؤولين "ما تلقى كان إلّي يصيح وإلّي يعيّط" – الإهانات المتكررة والسخرية "يضحّك علينا في أصحابنا" – تعيير مثل ما قاله أستاذ الرياضيات للتلميذ سليم: "أنت موش انتع بيلوت pilote موش عارف آش جابك لهنا"(52)  

"هذا يعني أن المدرسة بالنسبة لهم فضاء يغيب عنه الإحترام لذواتهم وهو شرط ضروري للإندماج وتحقق الإنتماء"(52). + "إنها مدرسة منفرة غير جاذبة وغير حاضنة ... فضلا عن غياب قاعات تحتضنهم خلال ساعات الفراغ"(52). + عدم جاذبية الفضاء وافتقاره للجمالية "ما ثمة فيها ما يعجب" و"نستنوا وقتاش نخرجوا" عوض القول نستنوا وقتاش نمشوا للمدرسة.

= مدرسة لا تصغي لأبنائها:

- إعتراف: "إننا لا نصغي بما يكفي إلى تلاميذنا بل لعلنا لا نصغي إليهم أصلا، بينما يحتاج المراهق إلى مدرسة تحسن الإستماع إليه وتتفهمه وتتقصى مشاغله"+ تذمّر: "ما تلقى شكون يسمعك" "ما حبش حتى يسمعني"(53). + لا أحد من التلاميذ المستجوبين يعرف خلايا المرافقة أو اتصل بها + هي لم تعرف بنفسها: هنالك إقرار رسمي بهذا الواقع(53).

= مدرسة لا تحقق الإندماج: خاصة بالنسبة للوافدين الجدد من التعليم الأساسي أو من الإعدادي + هم بحاجة إلى من يرافقهم لتيسير اجتياز مرحلة النقلة بيسر وسلاسة (بما في ذلك تعريفه بالفضاءات (القاعات ، الملاعب ، المكتبة، المخابر...). + ولمن يوضح له نظام الدراسة والإمتحانات والنظام التأديبي .... ويسحبه من عفويته التي اعتادها بمدرسته.

(ضرورة تفعيل اليوم المفتوح وخطة أستاذ القسم ...).

- شعور بالغربة وبالحيرة تجاه هذا الواقع الجديد الذي انتقل إليه "بقيت شهرين ضايع فيها"(ص54). + ارتفاع نسبة الفشل الدراسي في هذه المستويات.

= نوادي مدرسية دون جمهور:

- عدم المشاركة في أغلب الأنشطة التي تدعو إليها الوزارة "لأنها لا تعبّر عنهم ولم يقترحوها ولم يشاركوا في بعثها ولا وقعت استشارتهم في إرسائها. أما النوادي فهم لا ينخرطون فيها "هذيكه نوادي الإدارة"(مريم) (54) "فهي في رأيهم نوادي تقليدية مملة لا تختلف عن قاعة الدرس في شكلها وفي محتواها وفي طريقة تنشيطها"(54). لامبالاة كاملة. + وعدم الثقة فيما تطرحه المؤسسة من مشاريع لا يشعرون بجدواها" (مثل انتخاب نواب التلاميذ) (55).

ب – بدائل التلاميذ التي استنبطوها وعبروا عنها:

- يصممون بدائلهم بأنفسهم وفق ذوقهم ورؤيتهم مثل دخلة الباك + حفلة l’avant-gout + إحتفال الكراكاج + تأليف أغاني وأهازيج وإنشادها ونشرها على المواقع الرقمية + تنظيم إحتفالات بمناسبات مختلفة (عشرية المدرسة مثلا) ومباريات رياضية بين المؤسسات خارج إشراف الإدارة (56-57).

+ أو الإنخراط في انتماء بديل مثل النوادي خارج المؤسسة.= أنشطة تعبر عن ثقافتهم.

+ اللقاء في الفضاء الإفتراضي لتنسيق أنشطتهم ومواعيدهم وتوظيفه لتبادل المعلومات والدروس

= هذا الجفاء من المؤسسة والنفور من مناخاتها المتوترة تنشأ بالتوازي معها تضامنات تلمذية متعددة تابعها الباحث محرز الدريسي وكشف الكثير منها ومن تفاعلاتها في مقاله عن أواصر هؤلاء الشباب التلمذي وتفاعلاتهم(ص181):

- في مقابل القحط الذي عم مجالات الحياة المدرسية(185) يكون الإلتجاء إلى مجموعات الأقران والدخول معهم في تضامنات مختلفة ومتعددة الإهتمامات وتنشأ بينهم ألفة وانسجام تبرز معها "المدرسة الخفية" التي تنمي التضامنات المكانية والجزئية وراء أسوار المدرسة، عوض التضامنات المجتمعية أو الوطنية داخل المدرسة المرئية(186).

- تأكد "أزمة المجتمع المدرسي وبروز محدودية المدرسة" التي "نسيت التلاميذ" و"تحولت إلى مؤسسة بيروقراطية غابت عنها البهجة"(188).

- أهمية إحياء فكرة التضامن لكن عوض أن تسهر المدرسة على ذلك فإنه يتكفل بها التلاميذ أنفسهم ويبنونها حسب إهتماماتهم وما يروق لهم ، لذلك تنشا كثير من التضامنات الهدامة التي أشار إليها سامي الحبيب أيضا بجماعات الإنتماء الهدامة(55) وتضامناتهم ليست سليمة دائما. وفصل فيها محرز الدريسي القول مبرزا أنها مبنية على مبررات هامشية مثل الإشتراك في الميولات النفسية والرغبات والعادات اليومية وليس على إلتزامات تربوية أو عقدية أو صلات قرابة وجدانية كما كان يحدث سابقا كوحدة المكان أو الإقامة بالمعهد أو نوادي ثقافية وعلمية معينة أو إلتزامات فكرية ونقابية "تفرز صلات علائقية غير ظرفية من خلال لحظات العيش المشترك"(194).

- المدرسة الحالية لم تعد تفرز تضامنات مماثلة بل غايتها "إدارة أدفاق جمهرة التلاميذ وترويضهم على "احترام القانون" وتشرب "مبدأ الطاعة والخضوع" على نحو تراجع (معه) دور المدرسة في التنشئة الاجتماعية وتقلصت مساحة التفاعلات الجماعية مع غياب لافت للأنشطة الجماعية واللاتعليمية ، وضمور شبه تام للأنشطة الثقافية والفنية والرياضية والإقتصار على الدور التعليمي الخالص"(196).

- في المدرسة الحالية "تهمشت التضامنات وتفتتت الروابط التلمذية وتنوعت الهويات السائلة ... وأفرغت العلاقات من جوهرها الجماعي وركزت على فكرة الشبكات الفردية"(196) التي تتفكك معها التضامنات والروابط ويتعمق التنافس وايلاء البعد الفردي الأولوية في كل الإستحقاقات التربوية"(197). + تثمين التميّز والتفوق والإنتقاء النخبوي "ولا تشتغل حقيقة على تنمية شخصية التلميذ والكفايات الأفقية والمهارات الاجتماعية... وأن بيداغوجيا النجاح وتكافؤ الفرص ليست إلا شعارات بنكهة سياسية لم ترتق إلى مستوى الفلسفة التربوية الفاعلة، إنها خطابات تربوية جذابة وطموحات مغرية لم تتحقق إلى حد الآن"(197).

- جندرة الساحة (تضامنات على أساس الجنس): الذكور وسط الساحة والإناث في أطرافها وهوامشها.

+ تضامنات فرعية على أساس الإنتماء إلى الفرق الرياضية الكبرى "ولد جمعيتي"(200)... تنتج عنها تجاذبات وصراعات لفظية ومشاحنات. + تضامنات على قاعدة الإنتماء إلى الحي.               + "جماعة الباك" والآخرين: نوع من التضامن يظهر في "الباك سبور" مثلا . و"تتم هذه الإحتفالية الجماعية ضمن سلوك تحرّر ظرفي من ضغط المؤسسة وفيها تجاوز لبعض الضوابط المؤسسية في التصرفات والشعارات قد تصل حدّ التهوّر الاجتماعي أو إلى تخوم التسييس"(201). = تضامنات التمرّد ضدّ "المعيارية المدرسية"(انظر 202).

+ خارج المدرسة ، تضامنات المقاهي وقاعات الألعاب والمنظمات الألكترونية والساحات العامة أو الأماكن المنزوية.+ تكوين مجموعات كروية (رياضية) أو فنية. + تضامنات افتراضية وتكوين مجموعات بالفضاء الرقمي + تضامنات الفصول أو الكتل الدراسية

- المدرسة الحالية "لم تبتكر وسائل بيداغوجية ملائمة لتعضيد التضامن التلمذي بالإحاطة والتعديل"(207).

+ استنبط التلاميذ "تضامنات الإنتساب" ليستعيضوا بها عن "انحباس الأفكار والمبادرات وتقلص المناخ الحواري والعمل الفريقي". + أكثر هذه التضامنات هشة وظرفية وغير مؤطّرة وسمتها الطاغية الإنفلات "والسلوكات المنافية للمؤسسة وللنظام المدرسي معبرة عن الولاء لمجموعة الرفاق و(تجاوز) القواعد والأخلاق المدرسية"(203).

- بعض التضامنات تتصف بالصرامة وتعتبر الخروج عن الجماعة خيانة تستوجب موقفا موحدا في أقل الحالات... كما يتصف بعضها بالسذاجة وانعدام الوعي مثل "التضامن مع صديقي أنا نحضر التاريخ وهو يحضر الجغرافيا"(208). + خلال الإمتحانات وما تعلق بالدروس = تمويه ومخاتلة وتظاهر بالتضامن "نتبادل شويه شويه الكراسات" ... أي تضامن "لزج" يسكنه التنافس الشديد (208-209) وأولوية الهويات الفردية والمشاريع الشخصية"  + "الغيابات المشتركة والتأخيرات المتعمدة والقسم الميّت"(207)... إضافة إلى تضامنات "لتغطية الغيابات وتمزيق كراس الحضور، وتضامنات تلمذية للتغطية عن الأستاذ الذي يهجر دروس الساعة الأخيرة"(202).

= الملاحظة العامة هنا أن تلاميذنا مهمشون وقد تُركوا لمصيرهم أو للأيام تؤدبهم أو تؤطرهم بما يستطيعون استنباطه من أنشطة بعضها مفيد وبعضها فاشل وخطر من أساسه ، لذلك تتكاثر حالات المشاق والصعوبات عندهم، وقد عددها الباحث فتحي بوغرارة في مقاله عن المسار الإصغائي(ص143) وذكر منها: - صعوبات نفسية واجتماعية – صعوبات تواصلية علائقية داخل المؤسسة (خجل، انطواء، عدوانية، عنف ...) – صعوبات تعلمية (أي في علاقة ببعض المواد أو بالمعرفة عامة) – صعوبات في اتخاذ القرار (اختيار التوجيه أو مواصلة الدراسة في حدّ ذاتها).

= من نتائج هذا الواقع الذي يعيشه التلاميذ نتيجة التوترات التي تخترق المناخات بالمؤسسات التربوية وبفعل الجدب الذي يعمها يحدث الإنقطاع المدرسي ومغادرة مقاعد الدراسة إمّا طوعا أو بفعل الإلزامات القانونية التي تعم المؤسسات التربوية عبر النظام التأديبي أو نظام الإرتقاء المطبق في نهاية كل سنة دراسية ، وقد تحدث عن ذلك الباحث محمد رحومة العزّي في مقاله المضمّن بهذا الكتاب.

 

2 – مقترحات تطوير وضع المؤسسات التربوية وضمان تحقيق انتظارات التلاميذ:

أ - التفهم في التعامل والدعم والتربية على المبادرة، أي إعطاء الفرصة للتلاميذ وإطلاق قدرتهم على المبادرة والإنجاز واقتراح البدائل، وليس تكبيلهم بأكوام من الإلزامات والمحاذير والتعليمات الصارمة.... هذا يعني أن نصغي للتلميذ حتى نفهم صعوباته ونكتشف قدراته وندرّبه على مواجهة الصعوبات وحل المشاكل.

- هذا ما نصح باعتماده فتحي بوغرارة عند دعوته للإصغاء للتلاميذ حالة بحالة باعتبار الجدوى المؤكدة لذلك مقارنة باللقاءات والأنشطة الجماعية التي يستفيد منها البعض فقط وليس الأغلبية.

ب - المرونة في التعامل ومراعاة واقع التلاميذ وتوفير الفرص لهم وهذا يستدعي خاصة تعديل الزمن المدرسي، وهو ما فصله الخبير خالد الشابي الذي شدد على ضرورة التكامل بين الزمن المدرسي والزمن البيولوجي (القدرة على المواكبة والإنتباه والتحمّل) والزمن الاجتماعي ... أي لابدّ "من حسن توزيع ساعات الدراسة خلال الأسبوع وتخفيف اليوم الدراسي وبرمجة التعلمات في فترات زمنية يكون فيها تركيز التلاميذ في أعلى مستوياته"(ص68)... ويجب أن يراعي النسق الدراسي عديد التفاصيل في واقع التلميذ مثل فترات الإنتباه والإستعداد النفسي أو البيولوجي (الجوع، السخانة، البرد...)

ج - المرافقة التربوية، وهو ما أكدت عليه فاطمة مديوني رحوي(ص109) وأوضحت أنها "تهدف إلى تنمية الوعي بقدرة الفرد على التعامل مع المشكلات اليومية إيجابيا والتوصل إلى أخذ قرارات ذات فعالية والتغلب على الصعوبات"(123)، أي هي دعم للأطراف التلمذية المعنية "حتى تتمكن من مواجهة صعوباتها ومن إيجاد حلول لمشاكلها بمفردها وتتحمل كامل مسؤولياتها في ذلك حتى تسيطر على مصائرها"(123). وهذا هام جدا في دعم إستقلالية الأفراد وفي تقوية عزمهم على الإعتماد على أنفسهم ومواجهة صعوباتهم ذاتيا دون تعويل دائم على الآخرين (عدم التواكل والإقلاع عن التقاعس ).

- في مجال التوجيه المدرسي "ترتبط المرافقة أساسا ببناء المستقبل وباستشرافه إذ تتعلق بمساعدة التلميذ على بلورة مشروعه الدراسي والمهني"(123) ويضطلع مستشار التوجيه المدرسي بهذه المرافقة.

- وتتوسع الباحثة في توضيح مهام هذا المستشار المرافق وإبراز الأدوار التي يجب أن يضطلع بها مثل: ملاحظة التلميذ وتقييمه ، تحفيزه على البحث عن المعلومات واختيار المفيد منها، مساعدته في عملية الإختيار والقرار دون فرض رأي عليه وإلزامه به، تصحيح التصورات حول الشعب والمهن، المساعدة على ضبط أهداف المشروع ووضع استراتيجياته، التعرف على جوانب من شخصيته لكشف قدراته والوعي بها، المساعدة على التقييم الذاتي لهذه القدرات، وتعزيز الثقة بالنفس ... وبهذا تندرج هذه المرافقة التربوية في مقاربة التربية على التوجيه أو على الإختيار التي قالت بها السيدة فاطمة مديوني رحوي وفصلت فيها القول في هذا البحث.

د - أما السيد فتحي بوغرارة فقد ابرز في مقاله عن "التجربة الإصغائية في المؤسسات التربوية" أن الإصغاء المتكامل مع الحالات الفردية مهم جدا وفعال في تلبية انتظارات التلاميذ وتوفير ما يبحثون عنه من دعم وتوجيه، و"مهم جدا أن تفتح للتلميذ زوايا للبوح والتنفيس والتعبير في إطار من الثقة والسرية"(146) تجعله يرتاح إلى محاوره ويعتزّ بمؤسساته التي وفرت له هذه الخدمة. ف"الإصغاء وسيلة تمكن من التحاور مع التلميذ لإعانته على استيعاب وتجاوز التغيرات التي يعيشها قصد تيسير اندماجه في الوسط المدرسي"(148). ويقبل عليه التلاميذ بتلقائية مطمئنين على بقاء "المعلومات المتداولة أثناء المقابلة" في السرية والكتمان احتراما لخصوصياتهم وحفظا لجميع معطياتهم دون تشهير ولا تداول مع الآخرين. وهذا مهم جدا في بناء جسور الثقة بين التلاميذ والمصغين إليهم. وقد فصل الباحث فتحي بوغرارة آلية الإصغاء هذه ودراسة كل حالة على حده وتحليلها .

ه - أما الباحث محمد رحومة العزي فقد أكد أن الإستجابة لانتظارات التلاميذ تمرّ بتمكين كل منهم من الدراسة وفق قدراته وإمكانياته الذهنية بما يضمن له النجاح والتقدم في دراسته أي وفق مقاربة فارقية لا تتعسف على أحد ولا تكلفه أكثر من طاقته في الفهم والإستيعاب بدل مطالبة الجميع بالتميز في المواد العلمية وفي اللغات حتى يواصلوا تمدرسهم، وهذا يعني تنويع المسالك الدراسية والتكوينية في الإختصاصات العامة والمهنية وهو ما يستدعي مراجعة شعب التوجيه المدرسي واختصاصاته والربط بين التعليم العام والتكوين المهني وتغيير مسار كل من يعسر عليه النجاح في الأول إلى اختصاص في المجال الثاني يتماشى ومؤهلاته ويضمن له اقتحام الحياة العامة مجهزا باختصاص مهني يوفر له سبيل النجاح المهني والإندماج الاجتماعي وليس طرده من التعليم والإلقاء به في متاهات الشوارع دون التسلح بأي علم ولا مهنة.

- "إن إستشراء ظواهر العنف والجنوح بين اليافعين... ناتجة عن التأثر بثقافة العنف والترويج لها عبر وسائل الإعلام والتواصل المختلفة والألعاب الإلكترونية"(14). وإذا علمنا أن ما يقضيه التلميذ التونسي على الفايسبوك قد ناهز العشرة ساعات يوميا(226) ، فإنه يصبح من الأكيد جدا أن نغرس لدى الناشئة تربية رقمية توجه ولوجهم إلى هذه المواقع، وهو ما ركز عليه الخبير مصطفى شيخ الزوالي في مقاله المعنون ب"التربية الرقمية في مواجهة أزمة المدرسة". وهو يرى أنه "قد تساعد التربية الرقمية على مواجهة الدور المتنامي لتكنولوجيا الإعلام والإتصال في صياغة ثقافة الأطفال والشباب، كما قد تساعد على فهم متطلبات العصر الرقمي"(219) باعتبارها تمثل "مهارة التعامل مع الإعلام" ومع ما يتم تداوله به.

- بهذه التربية الرقمية نضمن إستفادة تلاميذنا من الشبكة العنكبوتية وممّا تحويه مواقع التواصل الاجتماعي من معلومات إيجابية وما توفره من فرص التواصل مع الآخرين وفرص النفاذ إلى المعارف التي يمكن أن تساهم فعلا في تكوين التلميذ .

- لم يعد من المستساغ ولا من السلامة أن يهدر تلاميذنا يوميا كل هذا الوقت مع هواتفهم الذكية ومنغرسين في مواقع التواصل الاجتماعي وأن يتحلقوا حول مواقع الألعاب الألكترونية في الوقت الذي حددت فيه دول العالم المتقدم فترات تعامل الأطفال مع هذه الهواتف ومنعت بشكل صارم اصطحابها إلى المؤسسات التربوية وضبطت الوقت الأقصى المسموح به للتعامل معها حسب كل شريحة عمرية.  

- ومبرر ذلك أن مخاطر هذه المواقع كثيرة جدا مثل : هدر الوقت في ما لا يفيد ولا يعني ، الإلهاء عن العمل وعن الواجبات المدرسية ، الإجهاد البدني والأضرار البصرية والعضوية ، تلويث الفكر بالشائعات وبمعلومات سيئة وزائفة ، التحريض على الفساد وعلى العصيان والعدوان والدعارة ، وعلى الجرائم والقمار ، الإستقطاب الفكري والإيديولوجي والديني المتطرف والدعوة للإلتحاق بالتنظيمات الإرهابية الخطرة ، ترويج المخدرات والتدريب على صناعة الأسلحة والمتفجرات ، الألعاب الخطرة المحرضة على الإنتحار أو على العقوق والتمرد وإشعال الحرائق ... الخ ، ثم أيضا الوحدة والإنقطاع عن العالم وعدم التواصل الاجتماعي والأسري.

– كل هذه المخاطر وغيرها لا تواجه إلا بتربية إعلامية ورقمية فعّالة توعّي بسبل التعامل الإيجابي مع هذه الوسائل . وهذا ما يحتاجه التلاميذ بشكل مستعجل كحاجتهم إلى تربية جنسية تؤطر التعامل الإيجابي مع الذات ومع الجنس الآخر وإلى تربية مدنية تثبّت لديهم استحقاقات  التفاعل مع الآخر والإقرار بالإختلاف وأساسيات العيش المشترك في وعي كامل بالحقوق والواجبات وبدعائم مناخات الحرية والإحترام .

- هنا تكمن قيمة مقال الأستاذ مصطفى شيخ الزوالي خاصة إذا أضفنا إلى ذلك تطور التقنيات الجديدة في مجال الذكاء الإصطناعي واستعمالاته المتباينة التي تجعل من التربية الرقمية أكثر إلحاحا من أي وقت مضى .      

3 – انعكاسات هذه الإجراءات على المنظومة التربوية

- العناية بالحياة المدرسية تعني فتح مسلك هام جدا من مسالك التفكير في تطوير المدرسة التونسية وفي انجاز الإصلاح التربوي المنتظر ذاته. وهذا مما عالجه الباحث منصف الخميري في مقاله "مسالك للتفكير في واقع المدرسة ومستقبله".

- "الحياة في أغلب مدارسنا لا تشبه الحياة على معنى كونها "استمرار لبقاء الإنسان بروحه وحركته ونموه" بقدر ما هي ترسانة من القواعد والضوابط والمحاذير"(15)... رغم أن نوعية الحياة المدرسية هي من مؤشرات قياس جودة المنظومة التربوية. هذا يعني أن الحياة المدرسية بمؤسساتنا التربوية هي حاليا بدون مؤشرات جودة، وهذا خطير جدا على مدى إقبال التلاميذ على هذه المؤسسات.

- الاهتمام بالحياة المدرسية يساهم في تصحيح الرؤية السائدة والمفاهيم المتداولة: وإدراك أن العملية التربوية ليست المقررات والبرامج والمقاربات البيداغوجية فقط ، ولا حتى بقية المداخل التي تتردد باستمرار عند كل حديث عن الإصلاح التربوي مثل الحوكمة وتأهيل المسيرين وتكوين المربين... فكل ذلك وحده لن يفيد كثيرا دون العناية بالحياة المدرسية التي تعطي للدراسة متعة وبهجة (ص11).

- هذا يعني أيضا أن الرؤية التربوية التونسية "قد حان الوقت لمراجعتها وفق مقاربة تربوية جديدة"(13) "تعزز الشعور بالإنتماء لدى الناشئة"(14). وهذا "يمر حتما عبر إضفاء المعنى على "الوجود داخل أسوار المدرسة لمدة ساعات طويلة" وزرع مشاعر التعاطف والسعادة المدرسية"(31). لذلك فإن التربية الجديدة تستدعي أنه "لا يجب أن نعلم أبناءنا كيف يكونون أذكياء بل كيف يصبحون بشرا أفضل"(34)

الخاتمة

= تأكيد قيمة الكتاب وأهميته باعتبار:

- تنبيهه إلى واقع الحياة المدرسية وإلى الخطورة التي آلت إليها الأوضاع داخل المؤسسات التربوية ووصول عديد السلوكيات المتبعة بها (مثل الإهمال واللامبالاة والتسيب) مرحلة الخطر الفعلي المحدق بجميع الأطراف = هو صيحة فزع يطلقها أناس غيورين على التربية وعلى مؤسساتها ومرتاديها

- تسلسل مقالات الكتاب وتكاملها – إنتماء جميع هذه المقالات إلى نفس مجال الحياة المدرسية وتقديمها رؤية شاملة عنها – عمق الرؤى الواردة بهذه المقالات ومنطقية البدائل وعمليتها – قرب كتابها من المسائل المطروحة وتشبعهم بالفكر التربوي البناء الذي يقوم على التشخيص الواقعي وعلى موضوعية التحليل ومنطقية الإستشراف ... الخ

 

محمد رحومة العزي

قابس في 17 / 11 / 2024